بمعنى المضارع ، فإنّه قال في شرح الشذور بعد إثباته : أنكر بعضهم هذا النوع ، وفسّر أوّه وأفّ بتوجّعت وتضجّرت ، وقال في غيره رادّا على من أنكر ذلك : مجيء اسم الفعل بمعنى المضارع محقّق ، لا شكّ فيه.
والحرفيّة ترد «حرف تقليل مع» الفعل «المضارع» المجرّد من ناصب وجازم وحرف تنفيس ، وهو أعني التقليل ضربان : تقليل وقوع الفعل ، نحو : قد يصدق الكذوب ، وقد يعثر الجواد ، وتقليل متعلّقه ، نحو : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [النور / ٦٤] ، أي إنّ ما أنتم عليه هو أقلّ معلوماته ، سبحانه ، وزعم بعضهم أنّها في هذه الأمثلة ونحوها للتحقيق ، وأنّ التقليل في المثالين الأوّلين لم يستفد من قد ، بل من قولك : الجواد يعثر ، والكذوب يصدق ، فإنّه إن لم يحمل على أنّ صدور ذلك منها قليل كان فاسدا ، إذ آخر الكلام يناقض أوّله.
وحرف «تحقيق مع» الفعل «الماضي غالبا» ، نحو : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس / ٩] ، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المومنون / ١] ، ومع المضارع قليلا ، كما مرّ أنّ بعضهم حمل عليه قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ ،) قال الزمخشريّ : دخلت قد لتوكيد العلم ، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد ، وصرّح الرضيّ بأنّ قد إذا دخلت على الماضي أو المضارع فلا بدّ فيها من معنى التحقيق ، ثمّ إنّه يضاف في بعض المواضع إليها معان أخر ، إذا دخلت على الماضي أو المضارع.
«قيل : وقد تقرّبه» أي الماضي «من» زمان «الحال» ، إن لم يكن حالا ، ولذلك لا تدخل على نعم وبئس ، لأنّها للحال ، ولا معنى لتقريبه ، تقول : قام زيد ، فيحتمل الماضي القريب والبعيد ، فإذا قلت : قد قام ، اختصّ بالقريب ، «ومن ثمّ» أي ومن أجل أنّها تفيد تقريب الماضي من الحال «التزمت في» الجملة «الحالية المصدّرة به» أي بالماضي لفظا أو تقديرا عند جمهور البصريّين خلافا للأخفش والكوفيّين كما مرّ ، وذلك لأنّ الحال تدلّ على حصول صفة مقارنة لما جعلت الحال قيدا له ، وهو العامل الماضي لا مقارنة فيه للحال ، فإذا كان مع قد ، قرب منها ، فحسن وقوعه حالا ، هكذا قالوا ، «وفيه بحث مشهور».
وهو أنّ قد إنّما تقرّب الماضي من الحال بمعنى الزمان الحاضر الّذي هو زمان التكلّم لا بمعنى ما يبيّن كيفية الفعل ، فإنّ الحال بهذا المعنى الّذي كلامنا فيه على حسب عاملها قد تكون ماضيا ، وقد تكون حالا ، وقد تكون مستقبلا كما لا يخفى ، فما ذكروه غلط ، نشأ من اشتراك لفظ الحال.