قال السيّد الشريف في شرح المفتاح : والجواب أنّ الأفعال إذا وقعت قيودا لما له الاختصاص بأحد الأزمنة كان مضيّها واستقبالها وحاليّتها بالنسبة إلى ذلك المقيّد لا إلى زمن التكلّم كما إذا وقعت مطلقة مستعملة في معانيها الأصلية ، ولا استبعاد فيما ذكرناه ، فإنّهم صرّحوا بأنّ ما بعد حتّى قد يكون مستقبلا بالقياس إلى ما قبلها وإن كان ماضيا بالنسبة إلى زمان التكلّم ، وعلى هذا فإذا قلت : جاءني زيد ركب ، فهم منه تقدّم الركوب على المجيء ، فلا تقارن الحال عاملها ، وإذا قلت : قد ركب ، قرّبه إلى زمان المجيء ، فيفهم مقارنته إيّاه كان ابتدا الركوب متقدّما ، إلا أنّه قارن المجيء في الدوام ، وإذا قلت : جاءني زيد يركب ، دلّ على تقاربهما ، وحينئذ تظهر صحّة كلام القوم في هذا المقام ، وفي وجوب تجريد الجملة الحاليّة عن علامة الاستقبال كالسين وسوف ولن ، إذ لو صدّرت بها تبادر منها كونها مستقبلة بالقياس إلى عاملها.
وأمّا ما يقال : من أنّهم استبشعوا أن يقع الماضي الصرف حالا بهذا المعنى الّذي نحن بصدده للتنافي بين الماضي والحال بمعنى آخر عن زمان التكلّم فاحتيج إلى إدخال قد المقرّب إلى الحال لتنكسر صورة ذلك التنافي ، فيزول الاستبشاع فممّا لا يلتفت إليه ذو طبع سليم ، إلى هنا كلامه.
قال الدمامينيّ بعد نقل هذا الكلام أقول : أشار بهذا القول الّذي لا يلتفت إليه إلى ما وقع للرضىّ في شرح الكافية ، وأمّا ما قرّره هو وارتضاه ، وإن كان بعضه مأخوذا من كلام التفتازانيّ في حاشية الكشّاف فلي في نظر ، وذلك أنّ ما قاله بعد اللتيا والّتي أنّ قد قرّبت الماضي الواقع قيدا من زمان العامل ففهمت مقارنتة له ، ولم يقم دليلا على فهم المقارنة ، وهى المطلوب ، لا ما ذكره من التقريب المذكور ، وهو لا يدلّ عليه بوجه ، قال : وقد يورد عليه مثل جاء زيد لم يضحك ، إذ مقتضى تقريره أنّ مضيّ هذا الفعل الواقع قيدا بالنسبة إلى المقيّد ، وهو جاء ، فيفهم منه عدم تقدّم الضحك على المجيء ، فلا تقارن الحال عاملها ، وجوابه أنّ النافي في هذا المثال ونحوه وإن دلّ على انتفاء متقدّم ، لكن الأصل استمرار ذلك الانتفاء ، حتّى تظهر قرينة انقطاعه ، نحو : لم يضحك أمس ، ولكنّه ضحك اليوم ، والغرض عدم هذه القرينة ، فإذن الاستمرار الّذي هو الأصل سالم عن المعارض ، فيحصل الدلالة على المقارنة ، فجاز بهذا الاعتبار وقوعه حالا ، وهذا بخلاف الماضي المثبت ، فإنّ وضع الفعل على إفادة التجدّد من غير أن يكون الأصل استمرار ، فلذلك قال من قال يحتاج الى قد المقرّبة من الحال ليفهم المقارنة ، وقد عرفت ما عليه.