بم ولم وعمّ ، وكثر الاستعمال لها ، فاسكنت للتخفيف ، وحدث لها بالتركيب معنى غير الّذي كان لكلّ واحد من مفرديها ، كما قاله النحويّون في لو لا وهلّا (١).
«وتشتركان» أى الخبريّة والاستفهاميّة في ثمانية أمور :
أحدها : «البناء» ، أمّا بناء الاستفهاميّة ، فلتضمّنها معنى همزة الاستفهام ، فإنّ قولنا :
كم رجلا عندك؟ معناه : أعشرون رجلا عندك؟ وأمّا بناء الخبريّة فلشبهها بالاستفهاميّة لفظا ومعنى ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فمن جهة أنّ كلّا منهما لعدد مبهم ، وإن شئت قلت : بنيت بوجهيها لشبههما بالحرف وضعا ، وهو الأقرب.
«و» الثاني «الافتقار إلى التمييز» ، لمكان وضعهما على الإبهام ، ولشدّة افتقارهما إليه لم يحذف إلا لدليل ، كما إذا جرى ذكر العبيد ، فقلت : كم عندك؟ أى كم عبدا عندك؟ بالنصب في الاستفهاميّة ، وكم عبد عندك! بالجرّ في الخبريّة بحسب ما يقتضيه المقام بخلاف غيرهما من الأعداد ، فإنّها تدلّ على كميّة معيّنة ، فيجوز أن لا يؤتى لها بتمييز ألبتة ، لأنّ فيها فائدة من جهة الدلالة على الكميّة المعيّنة ، وإن جهل جنسها.
الثالث : «لزوم التصدير» على غير الجارّ ، حرفا كان أو اسما ، لأنّ ما قبلها إذا كان مضافا أو حرف جرّ يعمل فيهما ، واغتفر ذلك ، لأنّ تأخّر الجارّ عن مجروره ممتنع لضعف عمله ، فجوّز تقديم الجارّ عليهما على أن يجعل الجارّ اسما كان أو حرفا مع المجرور ككلمة واحدة مستحقّة للتصدير ، حتّى لا يسقط المجرور عن رتبته ، تقول : بكم رجل مررت! وغلام كم رجل ملكت! ويكون إعراب المضاف كإعراب كم ، لو لم يكن مضافا إليه ، وإنّما الّذي لا يعمل فيهما متقدّما الفعل أو شبهه لاستحقاقهما الصدر ، لأنّ كلتيهما للإنشاء ، وكلّ ما تضمّن معنى الإنشاء لزم تصديره ، لأنّه يغيّر الكلام من نوع إلى نوع ، فوجب تقديمه ، ليعلم من أوّل الأمر نوع الكلام ، ويتفرّع ذهن السامع ، لتفهمه ، وإلا فلو تأخّر لم يعلم هل الإنشاء راجع إلى ما مضى أو إلى شيء ، فيشوّش فكره.
وكون كم الاستفهاميّة للانشاء ظاهر ، وأمّا الخبريّ فلتضمّنها معنى إنشاء التكثير ، والإنشاء أنّما يؤدّي بالحروف غالبا ، فتكون متضمّنة لحرف دالّ على التكثير ، إمّا محقّق الوضع ، وهو من الاستغراقيّة أو ربّ ، إن قلنا بدلالتها على التكثير ، وإمّا مقدّر الوضع ، إن سلم عدم دلالة هذين الحرفين على التكثير ، فمن هذه الحيثيّة لزمت كم الخبريّة التصدير ، فإن قيل : كيف يتأتّى أن يكون في الخبريّة معنى إنشاء التكثير مع ما بين الخبر و
__________________
(١) قول الكسائيّ والفرّاء وسائر الكوفيّين بأنّ «كم» مركّبة من الكاف وما باطل ، بدليل دخول حرف الجرّ عليها ، نحو : بكم ريال اشتريت الكتاب؟ فالعقيدة الصحيحة هي أنّ «كم» اسم بسيط.