الإنشاء من التنافي؟ فالجواب أنّ الإنشاء في كم من جهة التكثير القائم بنفس المتكلّم ، ولا وجود له في الخارج حتّى يقال باعتباره : إن طابق فصدق ، وإلا فكذب ، والإخبار في الكلام الّذي هي فيه ، وهو الّذي قيل له بسببه خبريّة أنّما هو باعتبار الكثرة لا باعتبار التكثير ، والكثرة أمر له ووجود في الخارج ، فإن طابق الكلام ذلك الأمر الواقع في الخارج كان صدقا ، وإن لم يطابق كان كذبا ، فإذا قلت : كم رجال عندى! فله جهتان : إحداهما التكثير الّذى قام بذهنك ، ولا وجود له في الخارج ، وبهذا الاعتبار تكون كم إنشائيّة ، والأخرى كثرة الرجال المخبر عنها بالعنديّة ، ولها وجود في الخارج ، وبهذا الاعتبار تكون كم الخبريّة ، هذا معنى ما قرّره ابن الحاجب ، وقد تقدّم نظيره في باب أفعال المدح والذم ، ومرّ نزاع الرضي له في ذلك ، فليرجع إليه.
الرابع : من الأمور الّتي تشترك فيه كم الخبريّة والاستفهاميّة الاسميّة ، خلافا لمن زعم أنّ الخبريّة حرف التكثير ، والدليل على اسميّتها دخول حرف الجرّ عليها ، نحو : بكم درهم اشتريت! وبكم شيء أحسنت إليك! والإضافه إليها ، نحو : غلام كم رجل ملكت! ووصل كم حبيب ظفرت! ووقوعها مسندا إليها لفظا ومعنى في نحو : كم رجلا جاءك! وكم ملك أحسن إليك! ومعنى لا لفظا نحو! كم عبدا أعتقت! وكم حرّا اعتقت! فإنّ المفعول به مسند إليه بحسب المعنى ، إذ قولك : ضربت زيدا في معنى زيد ضربته ، ولا معنى لاستبعاد ذلك أو إنكاره مع أنّه قد يكون نائبا عن الفاعل ، نحو : ضرب زيد ، فيكون مسندا إليه لفظا ومعنى ، وذلك لا يخرجه عن كونه مفعولا به على ما صرّح به ابن الحاجب.
الخامس : الإبهام ، وهو ظاهر ، لأنّهما وضعا كذلك.
السادس : جواز حذف تمييزهما بدليل كما مرّ ، خلافا لمن منع حذف تمييز الخبريّة.
السابع : الاختصاص بالنكرات كما صرّح في الرضيّ ، قال : أمّا الاستفهاميّة فلوجوب تنكير المميّز المنصوب ، وأمّا الخبريّة فلأنّها كناية عن عدد مبهم عند المخاطب ، ومعدود كذلك ، والغرض من إتيان المميّز بيان جنس ذلك العدد المبهم فقط ، وذلك يحصل بالنكرة فلو عرّف بقي التعريف ضائعا.
الثامن : امتناع كون مميّزهما منفيّا ، لا يقال : كم لا رجلا جاءك؟ ولا كم لا رجل صحبت! خلافا لمن أجازه ، نصّ عليه سيبويه.
«وتختصّ» كم «الخبريّة ب» وجوب «جرّ التمييز» ، أي مميّزها ، بإضافتها إليه كما في عشرة ومائة ، لا بمن مقدّرة خلافا للفرّاء ، وقيل : الكوفيّين قاطبة بدليل أنّه متى فصل كان منصوبا حملا على كم الاستفهاميّة ، كقوله [من البسيط] :