النهار (١) ليس له سبب غير طلوع الشمس ، وقد انتفى ، فيكون منفيّا ، لأنّ انتفاء السبب المساوي يستلزم انتفاء المسبّب لما بينهما من التلازم العقليّ.
والثالث : كقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء / ٢٢] ، أي السموات والأرض ، ففسادهما وهو خروجهما عن نظامها المشاهد مناسب لتعدّد الآلهة للزومه له على وفق العادة عند تعدّد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتّفاق عليه ، ولم يخلف التعدّد غيره فينتفي الفساد بانتفاء التعدّد المفاد بلو نظرا إلى الأصل فيها ، وإن كان القصد من الآية العكس ، لأنّها إنّما سيقت لإثبات الوحدانيّة ونفي التعدّد ، فوجب أن يقال : إنّ معناها انتفاء التّعدّد لانتفاء الفساد لما بينهما من التلازم العادي ، وإن كان للجواب سبب غير الشرط لم يلزم امتناعه ولا ثبوته ، إذ لا تعرّض لها إلى امتناع الجواب ولا ثبوته.
ثمّ تارة يكون ثبوته بالأولى نحو قول عمر : لو لم يخف الله لم يعصه ، فإنّه لا يلزم من انتفاء لم يخف انتفاء لم يعص ، حتّى يكون قد خاف وعصى ، لأنّ انتفاء العصيان ليس سببه الخوف فقط ، بل له سبب آخر ، وهو الحياء والمهابة والإجلال ، والأوّل وظيفة العوام ، والثاني وظيفة الخواصّ ، والمراد أنّ صهيبا من قسم الخواصّ ، وأنّه لو قدّر خلوّه من الخوف لم تقع منه معصية ، فكيف والخوف حاصل له ، وإنّما لم تدلّ لو على انتفاء الجواب هاهنا ، لأنّ دلالتها على ذلك أنّما هو من باب مفهوم المخالفة ، وفي هذا الأثر دلّ مفهوم الموافقة على عدم المعصية ، لأنّه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف فعند الخوف (٢) أولى ، وإذا تعارض هذان المفهومان قدّم مفهوم الموافقة.
وتارة يكون بالمساوي كقوله (ص) في درّة بنت أمّ سلمة ، لمّا بلغه تحدّث النساء أنّه يريد أن ينكحها : إنّها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي ، إنّها لابنة أخي من الرضاعة (٣). فإنّ حلّها له عليه (ع) منتف من وجهين ، لو انفرد كلّ منهما حرمت له (ص) : كونها ربيبته ، وكونها ابنة أخيه من الرضاعة ، وهما متساويان في منع الحدّ. وتارة يكون بالأدون كقولك فيمن عرض عليك نكاحها : لو انتفت أخوة الرضاع ما حلّت لي للنسب ، فإنّ حلّها منتف من وجهين ، لو انفرد كلّ منهما حرمت له أخوة الرضاع والنسب ، إلا أنّ حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب.
__________________
(١) لأنّ وجود النهار سقط فى «ط».
(٢) في «ح» فعند عدم الخوف.
(٣) صحيح بخاري ، ٤ / ١٧ ، رقم ٣٩. وروي : لو أنّها.