تنبيه : اشتهر في كتب العربيّة نسبة هذا الكلام وهو : نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه ، إلى عمر بن الخطاب ، قال القاضي بهاء الدين السبكيّ في شرح التلخيص : وقد نسب الخطيبيّ (١) هذا الكلام إلى النبيّ (ص) ، ولم أره في شيء من كتب الحديث لا مرفوعا ولا موقوفا ، لا عن النبيّ (ص) ولا عن عمر مع شدّة الفحص. قال الدمامينيّ في التحفة : كذا نسبه القرافيّ (٢) في الفروق إلى النبي (ص) ، وقد سألت عن ذلك بعض حفّاظ العصر ، فأخبرني أنّه بحث عن ذلك فلم يقف عليه ، ثمّ وقفت في الحلية لأبي نعيم الحافظ (٣) في ترجمة سالم مولى أبي حذيفة (٤) على حديث رفعه من طريق عمر بن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : إنّ سالما شديد الحبّ لله عزّ وجلّ لو كان لا يخاف الله ما عصاه (٥).
«وتختصّ» لو «بالماضي» ، لأنّها إنّما تفيد الشرط فيه ، فلا يكون الشرط والجزاء معها إلا ماضين ، فمن حقّها أن لا تدخل إلا على الماضي ، «ولو» كان «مؤوّلا» كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) [السجدة / ١٢] ، لأنّه لصدوره عمّن لا يكذب متحقّق الوقوع ، فالمضارع عنده بمترلة الماضي ، فهذا مستقبل في التحقيق ماض بحسب التأويل ، كأنّه قيل : قد انقضى هذا الأمر ، لكنّك ما رأيته ، ولو رأيته لرأيت أمرا فظيعا عجيبا.
تنبيه : اختلف في عدّ لو المذكورة من حروف الشرط. قال الزمخشريّ وابن مالك لو حرف شرط ، وأبى قوم تسميتها حرف شرط ، لأنّ حقيقة الشرط أنّما يكون في الاستقبال ، ولو إنّما هي للتحقيق في المضي ، فليست من أدوات الشرط ، قاله المراديّ في الجنى الداني ، والأوّل هو المشهور ، ولذا سمّاها المصنّف شرطيّة.
الثاني من وجوه لو أن تكون حرف شرط في المستقبل بمعنى «إن الشرطيّة» ، إلا أنّها لا تجزم على المشهور كقوله [من الطويل] :
١٠٠٣ ـ ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا |
|
ومن دون رمسينا من الأرض سبسب |
لظّل صدى صوتي وإن كنت رمّة |
|
لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب (٦) |
__________________
(١) لم أجد ترجمة حياته.
(٢) أحمد بن إدريس القرافيّ ، من علماء المالكيّة ، له مصنّفات منها «أنوار البروق في أنوار الفروق» «الخصائص» في قواعد العربية ، مات سنة ٦٤٨ ه. الأعلام للزركلي ، ١ / ٩٠.
(٣) أحمد بن عبد الله أبو نعيم حافظ ، مؤرخ ، من الثقات في الحفظ والرواية ، من تصانيفه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» و «معرفه الصحابة» مات سنة ٤٣٠ ه. المصدر السابق ، ١ / ١٥.
(٤) أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، صحابي ، هاجر إلى الحبشة شهد بدرا وأحدا والخندق ، وقتل يوم اليمامة سنة ١٢ ه. المصدر السابق ، ٢ / ١٨٠.
(٥) ما وجدت عنوان الحديث.
(٦) هما لأبي صخر الهذلي. اللغة : الاصداء : جمع صدى ، وهو الّذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها ، الرمس : تراب القبر ، السبسب : المفارة ، الرمّة : العظام البالية ، يهش : من الهشاشة ، وهى الارتياح والخفة للشيء.