والحاصل أنّ الشرط متى كان مستقبلا محتملا ، وليس المقصود فرضه الآن أو فيما مضى فهى بمعنى إن ، ومتى كان ماضيا أو حالا أو مستقبلا ، ولكن قصد فرضه الآن أو فيما مضى فهي الامتناعيّة.
الثالث : أن يكون للتمنّي بمعنى ليت إلا أنّها لا تنصب ولا ترفع ، نحو قوله تعالى : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء / ١٠٢] ، أى فليت لنا كرّة ، وقيل ولهذا نصب (فَنَكُونَ) في جوابها كما انتصب (فَأَفُوزَ) في جواب ليت في قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) [النساء / ٧٢]. قال ابن هشام : ولا دليل في هذا ، لجواز أن يكون النصب في (فَنَكُونَ) مثله في : (إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى / ٥١] وقول ميسون [من الوافر] :
١٠١٣ ـ ولبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إلىّ من لبس الشفوف (١) |
يعنى أن يكون منصوبا بأن مضمرة ، والمصدر المسبوك منها ومن صلتها اسم معطوف على الاسم المنصوب المتقدّم ، وهو كرّة ، أي ليت لنا رجوعا فكوننا من المؤمنين. وهل لو هذه قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرطيّة؟ أو هي الشرطيّة أشربت معنى التمنّي؟ أو إنّها المصدريّة أغنت عن فعل التمنّي لكونها لا تقع إلا بعد مفهم التمنّي؟ ثلاثة أقوال ، ظاهر كلام المصنّف الأوّل ، قال أبو حيّان : وهو الظاهر المنقول عن سيبويه ، ونصّ عليه شيخنا أبو الحسن بن الضائع وأبو مروان (٢) وعبيد بن عمرو بن هشام الخضراويّ في شرح قصيدة ابن دريد واختار أبو حيّان الثاني ، قال : والّذي يظهر أنّها لا بدّ لها من جواب ، لكنّه التزم حذفه لإشرابها معنى التمنّي ، لأنّه متى أمكن تقليل القواعد وجعل الشيء من باب المجاز ، كان أولى من تكثير القواعد وادّعاء الاشتراك ، لأنّه يحتاج إلى وضعين ، والمجاز ليس فيه إلا وضع واحد ، وهو الحقيقة ، انتهى.
وإلى القول الأخير صار ابن مالك ، وذلك أنّه أورد قول الزمخشرىّ ، وقد تجيء لو في معنى التمنّي ، نحو : لو تأتيني فتحدّثني ، فقال : إن أراد أنّ الأصل وددت لو تأتيني فتحدّثني ، فحذف فعل التمنّي لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمنّي فكان لها جواب كجوابها فصحيح ، أو إنّها حرف وضع للتمنّي كليت فممنوع لاستلرامه منع الجمع بينها وبين فعل التمنّي ، كما لا يجمع بينه وبين ليت ، انتهى.
__________________
(١) تقدم برقم ٦٩٧.
(٢) لم أجد ترجمة حياته.