الصورة ، والمراد بالكون الوجود وبالإطلاق عدم التقييد بأمر زائد على الوجود ، وإيضاح ذلك أن يقال : إن كان امتناع الجواب لمجرّد وجود المبتدأ ، فالخبر كون مطلق ، نحو : لولا زيد لأكرمتك ، فالإكرام ممتنع لوجود زيد ، فزيد مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، وهو كون مطلق ، أي لو لا زيد موجود.
وإن كان امتناع الجواب لمعنى زائد على وجود المبتدإ فالخبر كون مقيّد كما إذا قيل : هل زيد محسن إليك ، فتقول : لولا زيد لهلكت ، تريد لو لا إحسان زيد لهلكت ، فالهلاك ممتنع لإحسان زيد ، فالخبر كون مقيّد بالإحسان ، وإنّما حذف الخبر مع لولا إذا كان كونا مطلقا ، لأنّه معلوم بمقتضاها ، إذ هي دالّة على امتناع الوجود ، والمدلول على امتناعه هو الجواب ، والمدلول على وجوده هو المبتدأ ، فإذا قيل : لولا زيد لأكرمتك ، لم يشكّ في أنّ وجود زيد منع من الإكرام ، فصحّ الحذف لتعيين المحذوف ، وإنّما وجب لسدّ الجواب مسدّه وحلوله محلّه.
فلو كان الخبر كونا مقيّدا بمعنى زائد على الوجود ، وجب ذكره إن لم يعلم ، نحو : لو لا زيد سالمنا ما سلم ، ومنه الحديث : لولا قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم (ع) (١).
ويجوز الأمران إن علم : نحو : لولا أنصار زيد حموه ما سلم ، فيجوز إثبات حموه الّذي هو الخبر وحذفه لفهم معناه من الكلام ، ومنه قول المعرّيّ [من الوافر] :
١٠٢٣ ـ يذيب الرّعب منه كلّ عضب |
|
فلولا الغمد يمسكه لسالا (٢) |
فلو قيل : لولا الغمد لسالا لصحّ.
هذا التفضيل مذهب الرمانيّ وابن الشجري والشلوبين وابن مالك ، وقال الجمهور : لا يكون الخبر إلا كونا مطلقا محذوفا ، فإذا أريد الكون المقيّد وجب جعله مبتدأ ، فتقول في لو لا زيد حموه وتأوّلوا ما ورد بخلافه ، وقالوا : الحديث مرويّ بالمعنى ، ولحّنوا المعرىّ.
قال ابن هشام : وليس التلحين بجيّد ، لاحتمال تقدير يمسكه بدل اشتمال على أنّ الأصل أن يمسكه ، ثمّ حذفت أن وارتفع الفعل ، أو يمسكه جملة معترضة ، وخرّجه بعضهم على أنّ يمسكه حال من الضمير المستكن في الخبر ، أي فلولا الغمد موجود في حال كونه يمسكه ، وردّ بنقل الأخفش عن العرب أنّهم لا يأتون بالحال بعد الاسم الواقع
__________________
(١) جاء الحديث في النسائي بهذه الصورة : لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت البيت فبنيته على أساس إبراهيم. سنن النسائي ص ٦٩٦ رقم ٢٨٩٨.
(٢) اللغة : يذيب : من الإذابة ، وهي إسالة الحديد ونحوه من الجامدات ، الرعب : الفزع والخوف ، الغضب : السيف القاطع ، الغمد : غلاف السيف.