قولك : شمت البرق ، إذا نظرت إليه ، والمعنى لمّا سقط سقاؤنا ، قلت لعبد الله : شمه ، انتهى.
قال الدمامينيّ : ولا يخفى أنّه إنّما يحتاج إلى الجواب على رأى القائلين بأنّ لمّا حرف شرط ، وأمّا القائلون بأنّها ظرف بمعنى حين ، فلا يحتاج عندهم إلى التقدير ، بل يجعل متعلّقه بأقول الملفوظ به ولا حذف ، أي أقول لعبد الله حين وهى سقاؤنا ، انتهى.
والأولى تفسير وهى هنا بمعنى تخرّق وانشقّ : قال في القاموس : وهى كوعى وولى : تخرّق ، وانشقّ ، واسترخى رباطه ، وكان حقّه أن يكتب في البيت بالياء ، لأنّه فعل ثلاثيّ من ذوات الياء ، لكن كتب بالألف لأجل الألغاز ، وفي المزهر معنى البيت :
أقول لعبد الله لمّا سقاؤنا وهى ، أى ضعف ، ونحن بهذا الوادي : شم ، أى شم البرق عسى تعقبه المطر ، وقرينة هاشم لعبد شمس أبعدت فهم المراد.
والثاني : أن تكون حرف استثناء بمترلة إلا الاستثنائية في لغة هذيل ، حكاه الخليل وسيبويه والكسائي فتدخل على الجملة الاسميّة نحو قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق / ٤] ، في قراءة التشديد ، وهي قراءة ابن عامر وعاصم حمزه وأبي جعفر (١) ، فإن نافية ولمّا بمعنى إلا ، والمعنى والله أعلم ما كلّ نفس إلا عليها حافظ ، وقراءة ابن مسعود : وإن منا لما له مقام معلوم [الصافات / ١٦٤] ، أي إلا له ، وتدخل على الماضي لفظا لا معنى نحو : أنشدك الله لمّا فعلت كذا ، أى ما أسالك إلا فعلك ، وقد تحذف نحو : نشدتك ونحوها ، فيقال : بالله لمّا فعلت كذا ، أي سالتك ، أي نشدتك بالله إلا فعلت ، قال الشاعر [من الرجز] :
١٠٣٤ ـ قالت له بالله يا ذا البردين |
|
لمّا غنثت نفسا أو اثنين (٢) |
غنثت بالغين المعجمة وبعد النون ثاء مثلثة من الغنث ، وهو أن يشرب ثمّ يتنفّس.
وفيه ردّ ، لقول الفرّاء وأبي عبيده والجوهريّ : إنّ لمّا بمعنى إلا غير معروف في اللغة. قال أبو حيان : وهي قليلة الدور في كلام العرب وينبغى أن لا يتّسع فيها ، بل يقتصر على التراكيب الّتي وقعت في كلامهم ، وزعم الزجاجيّ أنّه يقال : لم يأت من القوم لمّا أخوك ، ولم أر من القوم لمّا زيدا ، بمعنى إلا أخوك وإلا زيدا ، وينبغى أن يتوقّف في إجازة هذه التراكيب ونحوها ، حتّى يثبت سماعها أو سماع نظائرها من لسان العرب.
__________________
(١) أبو جعفر يزيد بن قعطاع من قراء المدينة ، المتوفي سنة ١٣٠ ه. تاريخ قراءات القرآن الكريم ، ص ٣٠.
(٢) لم يذكر قائله. اللغة : البردان : تثنية برد ، ثوب ينسج باليمن.