الخفي ، أعني كيفية تكون الأرض ويمكن إرجاع تلك الآراء إلى أربعة رئيسة :
(الأول) : نسبة الكل للنار ، والمختارون لهذا الرأي يسمون بالمسجوريين ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦)) [الطّور : الآية ٦]. أي البركانيين.
(الثاني) : نسبة الكل للماء والمتمسكون بذلك هم النبطونيون المنسوبون لنبطون إله البحر في خرافات القدماء.
(الثالث) : هو القول بتوافق هاتين القوتين ، أعني الماء والنار بأن أحدثا فعلهما على التعاقب.
(الرابع) : هو القول بتكوين فواعل تجددت على التعاقب فحصل من فعلها تجديد جواهر مختلفة.
ومن المعلوم أن أصحاب هذه المذاهب أسسوا آراءهم على أشياء واقعية مخصوصة بأماكن من الأرض استندوا إليها بحثوا كثيرا في توضيحها ، ثم أجروها في بقية أجزاء الأرض على حد سواء ومع ذلك فآراؤهم زيادة عن كونها فرضية وجدت مختلة بالنسبة لمشاهدات وأمور واقعية أخر مختلفة الطبيعة كانت مجهولة عندهم أو أنهم لم يستحسنوا التأمل فيها والالتفات إليها ، والذي انحط عليه الرأي في الحالة الراهنة هو أنه لا يمكن الوقوف على حقيقة الأرض ولا على كيفية تكوينها بوجه يمكن تطبيقه على جميع كتلتها ، غاية ما يكون أنه ينبغي أن يجتهد في مشاهدة الأمور الواقعية فيها يقابل بينها وبين بعضها ، ثم تستنبط منها النتائج التي توضح وتشرح بغاية التدقيق والصحة فينبغي للمشتغل بالبحث في ذلك أن لا يتعب نفسه في دراسة القطع والكسر الأرضية ، فإنها تكون دائما غير تامة غير كافية للدراسة ، وإنما عليه أن يتحاسر على ارتكاب الأخطار ومشاق الأسفار الطويلة ، ويتسلق على قلل الجبال وينزل في المهاوي والهلكات ، ويدخل في أفوه الجبال من جبال النيران ، ويتتبع الحفر المعدنية في مجازاته وطرقه العميقة ، وينتقل من محال إلى محال أخر من الكرة ؛ ليشاهد آثار التقلبات الأرضية في أماكنها ، ويقابل بينها وبين بعضها ، ويدخل في بوراتها بعد غيبوبته عنها سنين كثيرة ، ويهب الباقي من حياته لزيادة غناء وثورة وطنه الذي شرفه بثمرة استكشافاته التي ما وصل إليها إلا بعسر شديد ، ثم إن بحثنا في الجزء الصلب من الكرة الأرضية بالنسبة لتركيبه نرى أنه يختلف لا إلى نهاية ، وأن اختلاف طبيعة الجواهر أكثر من اختلاف أشكالها ؛ ولذا عد ذلك من الأشياء التي لا يمكن تعريفها ولا حصرها في أقسام لما أن الصفات والهيآت التي تميزها عن بعضها غير واضحة الدلالة كفاية من أول الأمر ومع ذلك كان من اللازم للوقوف