قال بعض المحقّقين ـ وهو يعنى استعمال «سيما» بدون «لا» ـ كثيرا ما يوجد في كلام المتأخّرين من علماء العجم ، فينبغي تجويزه. وقال العلامة أثير الدين أبو حيان (١) في شرح التسهيل : لا يجوز حذف «لا» من لا سيما ، لأنّ حذف الحرف خارج عن القياس ، فلا يقال بشيء منه إلا حيث سمع ، وسبب ذلك أنّهم يقولون : إنّ حروف المعاني إنّما وضعت بدلا من الأفعال طلبا لإختصار ، ولذلك أصل وضعها أن يكون على حرف أو حرفين ، وما وضع مؤدّيا معنى الفعل واختصر في حروف وضعه لا يناسبه الحذف. انتهى.
وهى أعني «لا» لنفى الجنس وسيّ ، كمثل وزنا ومعنى ، وعينه في الأصل واو ، وهو اسم لا عند الجمهور ، وما بعد لا سيما إذا كان مفردا أمّا مجرور على أنّه مضاف إليه ، وما زائدة ، وأمّا مرفوع خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة ، إن جعلت ما موصولة ، وصفة ، إن جعلت نكرة موصوفة ، والجرّ أولى من هذا الوجه لقلّة حذف صدر الجملة الواقعة صلة أو صفة ، كما صرّح به الرضيّ على أنّه يقدح في اطّراده لزوم إطلاق ما على من يعقل ، وهو ممنوع ، وعلى الوجهين ففتحة سىّ إعراب ، لأنّه مضاف ، وأمّا منصوب على تقدير أعني ، أو على أنّه تمييز ، إن كان نكرة ، كما يقع التمييز بعد مثل في نحو : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف / ١٠٩] ، وما كافّة عن الإضافة ، والفتحة بنائية مثلها في لارجل ، وقيل على الاستثناء فى الوجهين ، فمنع جواز نصب إذا كان معرفة وهم ، وردّ بأنّ المستثنى مخرج ، وما بعدها داخل في باب الأولى ، وأجيب بأنّه مخرج ممّا أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها ، وعلى هذا فيكون استثناء منقطعا ، قيل : ويقدح في الاستثناء اقترانها بالواو ، ولا يقال : جاء القوم وإلا زيدا ، إذ القول بزيادها ضعيف ، بل قيل اقترانها بها واجب.
قال الثعلب (٢) من استعمالها على خلاف ما جاء فى قوله : [من الطويل]
٢ ـ ... |
|
ولا سيّما يوم بدارة جلجل (٣) |
فهو مخطئ.
وأجيب بأنّ مراد القائل بالاستثناء أنّ لا سيما مع واو وبدونها نزّلت مترلة أداة الإستثناء ، وعلى التقدير الأوّل خبر لا محذوف عند غير الأخفش ، أى لا مثل ابن عمّه
__________________
(١) العلّامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسيّ نحويّ عصره ولغويّه ومفسّره ومؤرّخه ، له من التصانيف : البحر المحيط في التفسير ، التذييل والتكميل في شرح التسهيل ، مات سنة ٧٤٥ ه ، بغية الوعاة ، ١ / ٢٨١.
(٢) أحمد بن يحيى ابو العباس ثعلب إمام الكوفيين في النحو اللغة ، صنف : المصون في النحو ، اختلاف النّحويّين ، معاني القرآن ، معاني الشعر و... ومات سنة ٢٩١. المصدر السابق ص ٣٩٦.
(٣) صدره «ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح» وهو لامري القيس. اللغة : دارة الجلجل : غدير بعينه.