بالمفرد لم يكن خبرا لعدم تحمّله ضمير سواء ، وأمّا شبهته فجوابها أنّ الاستفهام هنا ليس على حقيقته ، فلا يجب التقديم. فإن أجاب بأنّه كذلك في نحو : علمت أزيد قائم ، وقد أبقي عليه استحقاق الصدريّة بدليل التعليق ، قلنا : بل الاستفهام مراد هنا ، إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم : أزيد قائم ، وأمّا في الآية ونحوها فلا استفهام ألبتة ، لا من قبل المتكلّم ولا غيره.
الثاني : ربّما توهّم أنّ المراد بهمزة التسوية هي الواقعة بعد كلمة سواء بخصوصها ، بتخيّل أنّ التسوية مأخوذة من كلمة سواء ، وليس كذلك ، بل كما يقع بعدها ، يقع بعد ما أبالى وما أدري وليت شعري ونحوهنّ ، نحو : ما أبالى أقمت أم قعدت ، وما أدري أرحت أم غدوت ، وليت شعري أسافر زيد أم أقام ، فإنّ هذه الجمل كلّها في محلّ المصدر ، وهو الضابط.
الثالث : قضية كلام المصنّف أنّ الهمزة موضوعة لمعنى التسوية ، فتكون قسما برأسها غير همزة الاستفهام. وقال ابن هشام في المغني : قد تخرج الهمزة من الاستفهام الحقيقيّ ، فترد لمعان ، وعدّ منها التسوية ، وهذا يقتضي أنّ استعمالها في التسوية في غير ما وضعت له ، فتكون من قبيل المجاز ، وهو الأولى.
والرابع [من وجوه الهمزة] : أن تكون «للاستفهام» ، وحقيقته طلب المتكلّم من مخاطبه أن يحصل في ذهنه ما لم يكن حاصلا عنده ممّا سأله عنه. قال بعضهم : ينبغي أن يكون المطلوب أن يحصل ذلك في ذهن أعمّ من ذهن المتكلّم وغيره ، كما أنّ الاستغفار الّذي هو طلب المغفرة ، وهو الستر ، أعمّ من أن يكون المطلوب له هو المتكلّم أو غيره ، ويكون الاستفهام لغيرك أن يتكلّم المجيب بالجواب فيسمعه من جهل فيستفيده ، وردّه ابن هشام بأنّه لو صحّ ذلك لم يطلق العلماء على أنّ ما ورد منه في كلامه سبحانه مصروف إلى معنى آخر غير الاستفهام ، ولو كان كما ذكر لم يستحلّ حمله على الظاهر ، ويكون المراد منه أن يجيب بعض المخاطبين ، فيفهم الجواب من لم يكن عالما به ، انتهى.
واستحالة حمله على الظاهر محلّ بحث ، فقد قال الشيخ بهاء الدين السبكيّ (١) : قولهم الاستفهام لا يكون منه تعالى على حقيقته ليس على إطلاقه ، وإنّما يستحيل إذا كان مصروفا إلى المتكلّم بالكلام الاستفهاميّ ، وأمّا إذا كان مصروفا إلى غيره ممّن يطلب
__________________
(١) أحمد بن على العلّامة بهاء الدين ولد سنة ٧١٩ ه ، أخذ العلم عن أبيه والأصبهاني وأبي حيان ، وكانت له اليد الطولي في اللسان العربيّ والمعاني والبيان ، صنف : عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح ، وشرح مطوّل على مختصر ابن الحاجب. بغية الوعاة ١ / ٣٤٢.