الخطاب» ، وفصل الخطاب حقيقته هو تخليص المعاني بعضها من بعض والاتيان بكل شيء في موضعه ومع ما يناسبه ولعله خلاصة علم البيان» (١).
وقال القزويني : «وقد ينتقل من الفن الذي شبب الكلام به الى ما يلائمه ويسمّى ذلك الاقتضاب وهو مذهب العرب ومن يليهم من المخضرمين» (٢) وألحق به ما ذكره التنوخي وهو «فصل الخطاب» وقال : «ومن الاقتضاب ما يقرب من التخلص كقول القائل بعد حمد الله : «أما بعد» ، قيل وهو «فصل الخطاب» (٣) كقوله تعالى : (هذا ، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ)(٤) ، وقوله : (هذا ذِكْرٌ ، وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ)(٥).
ومنه قول الكاتب : «هذا باب» و «هذا فصل». ولا يخرج عن ذلك البلاغيون الآخرون كالعلوي وابن قيم الجوزية والسبكي والتفتازاني والحموي والاسفراييني والمغربي (٦).
ومن بديع ما جاء في الاقتضاب قول البحتري يمدح الفتح بن خاقان بعد انخساف الجسر به في قصيدته التي مطلعها :
متى لاح برق أو بدا طلل قفر |
جرى مستهلّ لا بكيء ولا نزر |
وبعده :
فتى لا يزال الدهر بين رباعه |
أياد له بيض وأفنية خضر |
فبينا هو في غزلها إذ خرج الى المديح على جهة الاقتضاب بقوله :
لعمرك ما الدنيا بنا قصة الجدا |
إذا بقي الفتح بن خاقان والقطر |
فخرج الى المديح من غير أن يكون هناك له سبب من الأسباب.
ومن ذلك ما قاله أبو نواس في قصيدته التي مطلعها :
يا كثير النوح في الدمن |
لا عليها بل على السكن |
فضمنها غزلا كثيرا ثم قال بعد ذلك :
تضحك الدنيا الى ملك |
قام بالآثار والسّنن |
|
سنّ للناس الندى فندوا |
فكأنّ المحل لم يكن |
قال العلوي : «وأكثر مدائح أبي نواس مؤسسة على الاقتضاب من غير ذكر التخلص» (٧). والاقتضاب عند السجلماسي هو «اقتضاب الدلالة» (٨) وهو أربعة أنواع : التتبيع والكناية والتعريض والتلويح ، ولكل فن موضعه.
الاقتطاع :
القطع : إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا ، واقتطعه فانقطع وتقطّع (٩) أي : فصله ، والاقتطاع هو أخذ قطعة من الشيء.
وكان ابن فارس قد عقد بابا باسم «القبض» وقال عنه : «ومن سنن العرب القبض محاذاة للبسط وهو النقصان من عدد الحروف (١٠)» كقول القائل :
غرثى الوشاحين صموت الخلخل
أراد : الخلخال. وقول الآخر :
ليس شيء على المنون بخال
__________________
(١) الأقصى القريب ص ٨٤.
(٢) الايضاح ص ٤٣٣ ، التلخيص ص ٤٣٣.
(٣) الايضاح ص ٤٣٤ ، التلخيص ص ٤٣٤.
(٤) ص ٥٥.
(٥) ص ٤٩.
(٦) الطراز ج ٢ ص ٣٤٧ ، الفوائد ص ١٤١ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٣٨ ، المطول ص ٤٨٠ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥٨ ، خزانة الأدب ص ١٥٠ ، التبيان في البيان ص ٣٨٤.
(٧) الطراز ج ٢ ص ٣٥٣.
(٨) المنزع البديع ص ٢٦٢.
(٩) اللسان (قطع).
(١٠) الصاحبي ص ٢٢٨.