بلا علة لوجهين :
أحدهما : أنّ العلة المنصوصة قاضية بعموم المعلول.
الثاني : أنّ النفوس تنبعث الى نقل الاحكام المعللة بخلاف غيرها.
وغالب التعليل في القرآن الكريم هو على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الاولى وهو سؤال عن العلة (١).
وتختلف نظرة الزركشي عن الآخرين في التعليل فهو يريد التعليل الحقيقي ولذلك تحدّث عن الطرق الدالة على العلة كالتصريح بلفظ الحكم او الإتيان بـ «كي» أو ذكر المفعول له ، أو الإتيان بـ «أن» وغير ذلك. ويريد البلاغيون به حسن التعليل الذي لا يقوم على علة حقيقية في أغلب الأحيان. ويبدو أنّ اتجاه الزركشي لم يؤثر في البلاغيين كثيرا ، فالحموي عاد الى ما قاله المصري وابن مالك (٢) ، غير أنّ السيوطي أوجز ما قاله الزركشي ايجازا لا يوضح المسألة (٣) ، ولعل سبب عودته الى ذلك اتصال موضوعه بالقرآن الكريم.
التّعمية :
عمي عليه الأمر : التبس ، والتعمية أن تعميّ على الانسان شيئا فتلبّسه عليه تلبيسا ، والتعمية : الاخفاء ، ويقال : عميت معنى البيت تعمية (٤).
تحدث ابن رشيق عن التعمية في باب الإشارة وقال : «ومنها التعمية ، وهذا مثل للطير وما شاكله ، كقول أبي نواس : «واسم عليه خبن للصفا» وما أشبهه» (٥).
وتحدث عنها الحموي في باب «الالغاز» وقال : «هذا النوع أعني الالغاز يسمى المحاجاة والتعمية وهي أعم اسمائه ، وهو أن يأتي المتكلم بعدة ألفاظ مشتركة من غير ذكر الموصوف ويأتي بعبارات يدل ظاهرها على غيره وباطنها عليه» (٦) كقول ابي العلاء في إبرة :
سعت ذات سمّ في قميص فغادرت |
به أثرا والله شاف من السّم |
|
كست قيصرا ثوب الجمال وتبّعا |
وكسرى وعادت وهي عارية الجسم |
وأدخلها السجلماسي في انواع الاشارة (٧).
التّغاير :
تغيّر الشيء عن حاله : تحوّل ، وغيّره : حوّله وبدّله كأنه جعله غير ما كان. وغير عليه الأمر : حوّله.
وتغايرت الاشياء اختلفت (٨).
قال ابن رشيق : «هو ان يتضاد المذهبان في المعنى حتى يتقاوما ثم يصحا جميعا وذلك من افتنان الشعراء وتصرفهم وغوص أفكارهم» (٩). ومن ذلك قول بعضهم يذكر قوما بأنهم لا يأخذون إلا القود (١٠) دون الدية :
لا يشربون دماءهم بأكفّهم |
إنّ الدماء الشافيات تكال |
وقال آخر وقد أخذ بثأره إلا انه فيما زعم قتل دون من قتل له :
فيقتل خير بامرىء لم يكن له |
بواء ولكن لا تكايل بالدم |
ومن هذا الباب قول أبي تمام في التكرم يفضله على الكرم المطبوع :
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٩١.
(٢) خزانة الأدب ص ٤١٦ ، نفحات ص ١٦٥.
(٣) معترك ج ١ ص ٣٧٢ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٥.
(٤) اللسان (عمي).
(٥) العمدة ج ١ ص ٣٠٩.
(٦) خزانة الأدب ص ٣٩٣.
(٧) المنزع البديع ص ٢٦٨.
(٨) اللسان (غير).
(٩) العمدة ج ٢ ص ١٠٠.
(١٠) القود : القصاص.