والتبليغ كقول امرئ القيس :
فعادى عداء بين ثور ونعجة |
دراكا فلم ينضح بماء فيغسل |
وصف هذا الفرس بأنّه ادرك ثورا وبقرة وحشيين في مضمار واحد ولم يعرق ، وذلك غير ممتنع عقلا ولا عادة. ومثله قول المتنبي :
وأصرع أيّ الوحش قفيّته به |
وأنزل عنه مثله حين أركب |
وهذه عودة الى ما ذكره قدامة في المبالغة ، وسار على خطى القزويني شراح التلخيص (١). فالتبليغ عند هؤلاء غير الايغال أو الاطناب بالايغال الذي تحدث عنه القزويني وشراح تلخيصه في علم المعاني أو ذكره البلاغيون المتقدمون كالعسكري وابن رشيق والمظفر العلوي ، وإنّما هو المبالغة التي تحدث عنها القزويني في علم البديع.
التّبيين :
تبين الشيء : ظهر وتبينته أنا ، ويقال : بان الشيء واستبان وتبيّن وأبان وبيّن بمعنى واحد ، والتبيين :الايضاح والوضوح (٢).
والتبيين هو التوشيح ، قال العسكري : «سمي هذا النوع التوشيح ، وهذه التسمية غير لازمة بهذا المعنى ولو سمّي تبيينا لكان أقرب. وهو أن يكون مبتدأ الكلام ينبىء عن مقطعه ، وأوله يخبر بآخره ، وصدره يشهد بعجزه حتى لو سمعت شعرا أو عرفت رواية ثم سمعت صدر بيت منه وقفت على عجزه قبل بلوغ السماع اليه ، وخير الشعر ما تسابق صدوره وأعجازه ومعانيه وألفاظه ، فتراه سلسا في النظام ، جاريا على اللسان لا يتنافى ولا يتنافر كأنه سبيكة مفرغة أو وشي منمنم أو عقد منظم من جوهر متشاكل ، متمكن القوافي غير قلقة ، وثابتة غير مرجة ، ألفاظه متطابقة ، وقوافيه متوافقة ، ومعانيه متعادلة ، كل شيء منه موضوع في موضعه وواقع في موقعه فاذا نقض بناؤه وحلّ نظامه وجعل نثرا لم يذهب حسنه ولم تبطل جودته في معناه ولفظه فيصلح نقضه لبناء مستأنف وجوهره لنظام مستقبل» (٣).
ولكنّ الآخرين يطلقون التبيين على فن آخر غير التوشيح والارصاد ، فالتبريزي قال إنّه كقول الفرزدق :
لقد خنت قوما لو لجأت اليهم |
طريد دم حاملا ثقل مغرم |
|
لألفيت فيهم معطيا ومطاعنا |
وراءك شزرا بالوشيج المقوّم (٤) |
فلو اقتصر على البيت الأول لكان جيدا ودخل في باب ما حذف جوابه فبيّن قوله : «حاملا ثقل مغرم» بقوله : «لألفيت فيهم معطيا» وقوله : «طريد دم» بقوله : «ومطاعنا» (٥). ونقل هذا المثال والتعليق عليه البغدادي (٦). وقال ابن مالك : «ويسمى تفسير الخفي وهو أن يكون في مفردات كلامك لفظ مبهم المعنى لكونه مطلقا أو غير تام التقييد مرادا به بعض ما تناوله فتتبعه ما يفسره ويشرح معناه من وصف فيه تفصيل» (٧) ، وهو نوعان :
الأول : تبيين أحد ركني الاسناد بالآخر كقول محمد بن وهيب الحميري :
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها |
شمس الضّحى وأبو اسحاق والقمر |
__________________
(١) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٥٩ ، المطول ص ٤٣٤ ، الاطول ج ٢ ص ٢٠٨ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٢ ، حلية اللب ص ١٤١. وينظر المنصف ص ٧٠.
(٢) اللسان (بين).
(٣) كتاب الصناعتين ص ٣٨٢.
(٤) الوشيج : شجر الرماح ، وتطلق أيضا على الرماح أنفسها. المقوم : المثقف المعتدل.
(٥) الوافي ص ٢٨٨.
(٦) قانون البلاغة ص ٤٥٤.
(٧) المصباح ص ٦٥.