والتمثيل عند العسكري والباقلاني وابن رشيق المماثلة ، وهو ضرب من الاستعارة (١). والتمثيل عند عبد القاهر والسكاكي والقزويني وشراح التلخيص وغيرهم (٢) هو «التشبيه التمثيلي» وقد تقدم.
التّمزيج :
مزج الشيء يمزجه مزجا فامتزج : خلطه (٣).
والتمزيج من مبتدعات المصري ، وقد قال : «هو أن يمزج المتكلم معاني البديع بفنون الكلام أعني أغراضه ومقاصده بعضها ببعض بشرط أن تجمع معاني البديع والفنون في الجملة أو الجمل من النثر والبيت او البيوت من الشعر» (٤) كقول بكر بن النطّاح :
بذلت لها ما قد أرادت من المنى |
لترضى فقالت قم فجئني |
|
بكوكب |
فقلت لها هذا التعنّت كلّه |
|
كمن يتشهّى لحم عنقاء مغرب |
فأقسم لو أصبحت في عزّ مالك |
|
وقدرته أعيا بما رمت مطلبي |
فتى شقيت أمواله بعفاته |
|
كما شقيت بكر بأرماح تغلب |
فان التمزيج وقع في الثلاثة المتواليات من هذا الشعر بعد الأول ، فأما الأول من الثلاثة فانّه مزج في صدره العتاب بالغزل بالمراجعة حيث قال : «فقلت لها هذا التعنت كله» لارتباط هذا الصدر بما قبله بسبب المراجعة التي فيهما إذ قال : «فقالت» وأتى في عجز البيت بالتذييل ليتحقق العتاب ويستدل على صحة ما ادعاه من التعنت فمزج المذهب الكلامي بالتذييل في العجز. كما مزج العتاب والغزل في الصدر مع الارتباط بما قبله وحقق ذلك بالمراجعة الحاصلة فيهما فوقع التمزيج في البيت المذكور من الفنون في العتاب والغزل ، ومن المعاني في المراجعة بسبب الارتباط والتذييل والمذهب الكلامي ، ثم مزج المبالغة بالقسم في البيت الثاني من الثلاثة ، والمدح بالغزل بواسطة الاستطراد ، وأتى بالطامة الكبرى في البيت الثالث من الثلاثة إذ مزج فيه الإرداف بالتشبيه والشجاعة بالكرم ، ومدح قبيلة الممدوح بمدحه وذمّ أعداءها ، والايغال بالتشبيه.
والتمزيج يلتبس بأربعة أبواب من البديع هي :
التكميل والافتنان والتعليق والادماج ، وقد فرّق المصري بينها فقال : «إنّ التكميل لا يكون إلا في معاني النفوس وأغراضها معا في البديع ، ولا يكون أحد الأمرين فيه قد اتحد بالآخر بحيث لا يظهر من الكلام إلا صورة أحد الأمرين دون الآخر. وإنما يؤخذ المعنى الآخر من الكلام بطريق القوة لشدة امتزاج المعنيين او الفنين أو أحدهما بالآخر ، وهذه حال التمزيج بمعاني النفوس ومعاني البديع. والفرق بين التمزيج والافتنان أنّ الافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم كالغزل والمدح والعتاب والهجاء والتهنئة والتعزية ، والتمزيج بخلاف ذلك إذ هو يجمع الفنون والمعاني ويكون الأمران فيه متداخلين ، والفنان فيه ظاهران. والفرق بين التمزيج والتعليق أنّ التعليق كالافتنان في اختصاصه بالفنون دون المعاني وظهور الفنين فيه معا إلّا أنّ أحدهما متعلق بالآخر ، والافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم كالغزل والمدح والعتاب والهجاء والتهنئة والتعزية ، والتمزيج بخلاف ذلك إذ هو يجمع الفنون والمعاني ، ويكون الأمران فيه متداخلين أي أحد الفنين فيه متعلقا بالآخر ولا بدّ ، وكلاهما يفارق الامتزاج في ظهور صور الأشياء التي
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٣٥٣ ، إعجاز القرآن ص ١١٩ ، العمدة ج ١ ص ٢٨٠.
(٢) أسرار البلاغة ص ٨٤ ، دلائل الاعجاز ص ٥٤ ، مفتاح العلوم ص ١٦٤ ، الايضاح ص ٢٤٩ ، شرح الكافية ص ١١٥.
(٣) اللسان (مزج).
(٤) تحرير التحبير ص ٥٣٦ ، بديع القرآن ص ٢٤٦.