يكون التشبيب أو النسيب ممزوجا بما بعده من مدح وغيره غير منفصل عنه» (١). وذكرا قول مسلم بن الوليد :
أجدك هل تدرين أن ربّ ليلة |
كأنّ دجاها من قرونك تنشر |
|
نصبت لها حتى تجلت بغرة |
كغرّة يحيى حين يذكر جعفر |
وقول المتنبي :
نودعهم والبين فينا كأنه |
قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق |
وهذا الاستشهاد كأنه يشير الى ما ذكره المصري من أنّ هذا الفن يقع في بيتين متجاورين أو يقع في بيت واحد.
ولا يخص براعة التخلص أو التخلص أو حسن التخلص أو حسن الخروج (٢) النظم وانما يشمل النثر أيضا ، وقد ذهب بعض المتكلمين الى أنها أحد وجوه الاعجاز. وهو دقيق يكاد يخفى في غير الشعر إلا على الحذاق من ذوي النقد ، وهو مبثوث في الكتاب العزيز» (٣). ومن براعة التخلص في الكتاب العزيز قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)(٤) ، فانه ـ سبحانه وتعالى ـ أشار بقوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الى قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ فوطّأ بهذه الجملة الى ذكر القصة مشيرا اليها بهذه النكتة من باب الوحي والرمز ، وإنّما كانت أحسن القصص بكون كل قضية منها كانت عاقبتها الى خير ، فانّ أولها رميه في الجب فكانت عاقبته السلامة ، وبيع ليكون عبدا فاتخذ ولدا ، ومراودة امرأة العزيز له فعصمه الله ، ودخوله السجن وخروجه ملكا وظفر أخوته به أولا وظفر بهم آخرا ، وتطلعه الى أخيه بنيامين واجتماعه به وعمى أبيه وردّ بصره وفراقه له ولأخيه واجتماعه بهما ، وسجود أبويه وأخوته له تحقيقا لرؤياه من قبل (٥).
ومنه قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ)(٦). ثم قال : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٧) ثم أردفه بقوله :(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ)(٨). ثم قال : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ)(٩) الى قوله : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(١٠). قال ابن الأثير : «هذا كلام يسكر العقول ويسحر الألباب» (١١) وكان هذا الاستشهاد وشرحه ردا على من ذهب الى أنّ كتاب الله خال من التخلص كأبي العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي ، وقد قال ابن الاثير عن قوله : «وهذا القول فاسد» (١٢). وذكر السيوطي مثل ذلك وردّ قول الغانمي أيضا (١٣).
فبراعة التخلص من الفنون التي تشمل الشعر كما تشمل النثر ، وهو من محاسن الكلام ، وأحد دعائم
__________________
(١) حسن التوسل ص ٢٥٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣٥.
(٢) الطراز ج ٢ ص ٣٣٠ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٢٤٠.
(٣) بديع القرآن ص ١٦٨ ، تحرير التحبير ص ٤٣٣.
(٤) يوسف ٣.
(٥) تحرير التحبير ص ٤٣٨ ، بديع القرآن ص ١٦٩.
(٦) الشعراء ٦٩ ـ ٨١.
(٧) الشعراء ٨٣.
(٨) الشعراء ٩٠ ـ ٩١.
(٩) الشعراء ٩٤ ـ ٩٥.
(١٠) الشعراء ١٠٢.
(١١) المثل السائر ج ٢ ص ٢٦٦ ، وينظر الطراز ج ٢ ص ٣٣٢.
(١٢) المثل السائر ج ٢ ص ٢٦٥.
(١٣) معترك ج ١ ص ٦٠ ، شرح الكافية ص ١٣٠.