أعلم من شاهدته بالشعر : أجد قوما يخالفون في الطباق فطائفة تزعم ـ وهي الأكثر ـ بأنه ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى. وطائفة تخالف ذلك فتقول : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم :
ونبئتهم يستنصرون بكاهل |
وللؤم فيهم كاهل وسنام |
فقوله : «كاهل» للقبيلة ، وقوله «كاهل» للعضو عندهم هو المطابقة. قال : فقال الأخفش : من هذا الذي يقول هذا؟ قلت : قدامة وغيره ... فقال : هذا يا بني هو التجنيس ومن زعم أنّه طباق فقد ادّعى خلافا على الخليل والأصمعي. فقيل له : أفكانا يعرفان هذا؟فقال : سبحان الله وهل غيرهما في علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه. قلت : فأنشدني أحسن طباق للعرب.
قال قول عبد الله بن الزّبير الأسدي (١) :
رمى الحدثان نسوة آل حرب |
بمقدار سمدن له سمودا |
|
فردّ شعورهنّ السود بيضا |
وردّ وجوههنّ البيض سودا (٢) |
وتحدث الحاتمي عن المجانسة وذكر له قول جرير :
كأنّك لم تسر ببلاد نعم |
ولم تنظر بناظرة الخياما |
وقوله :
وما زال معقولا عقال عن النّدى |
وما زال محبوسا من الخير حابس (٣) |
وهذا ما يدخل في التجنيس. وتكلم الآمدي على المجانس في شعر أبي تمام فقال : «هو ما اشتق بعضه من بعض» (٤) وذكر مصطلح «التجنيس» فقال عن جرير والفرزدق : «وكأنّ هذين الشاعرين في تجنيس ما جنّساه من هذه الالفاظ وحاجتهما اليه يشبه قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «عصيّة عصت الله ، وغفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله» (٥). ثم قال بعد أن تكلم على المطابق : «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقبه أبو الفرج قدامة ابن جعفر في نقد الشعر «المتكافىء» وسمّى ضربا من المتجانس المطابق ... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وان كان هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات ، وكانت الألقاب غير محظورة فاني لم أكن أحب له أن يخالف من تقدمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألّف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع المجانس المماثل ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت نحو قول جرير :
تزوّد مثل زاد أبيك فينا |
فنعم الزاد زاد أبيك زادا |
وبابه قليل» (٦).
وعقد الرماني بابا للتجانس وقال : «هو بيان بأنواع الكلام الذي يجمعه أصل واحد في اللغة» (٧). وقال العسكري : «التجنيس أن يورد المتكلم كلمتين تجانس كل واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها على حسب ما ألّف الأصمعي كتاب الأجناس. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى لفظا واشتقاق معنى كقول الشاعر :
يوما خلجت على الخليج نفوسهم |
عصبا وأنت لمثلها مستام |
__________________
(١) الزبير : بفتح الزاي ، وعبد الله بن الزبير من شعراء الحماسة.
(٢) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٤٢. السمود : الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه.
(٣) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٤٦.
(٤) الموازنة ج ١ ص ٢٦٥.
(٥) الموازنة ج ١ ص ٢٦٦.
(٦) الموازنة ج ١ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.
(٧) النكت في إعجاز القرآن ص ٩١.