المسيح ، ثم استطرد الرد على العرب الزاعمين بنوّة الملائكة» (١).
وهذا يدل على أنّ لأسلوب الاستطراد أمثلة في كتاب الله الخالد غير ما ذكر المصري. وقال المظفر العلوي : «ومعنى الاستطراد خروج الشاعر من ذم الى مدح أو من مدح الى ذم» (٢) ، كقول زهير :
إنّ البخيل ملوم حيث كان ولكنّ |
الجواد على علّاته هرم |
وأشار القرطاجني الى الفرق بين الاستطراد والتخلص بقوله : «وأهل البديع يسمون ما كان الخروج فيه بتدرج تخلصا ، وما لم يكن بتدرج ولا هجوم ولكن بانعطاف طارى على جهة من الالتفات استطرادا» (٣) ، كقول حسان بن ثابت :
إن كنت كاذبة الذي حدّثتني |
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ولا يرى المدني ذلك استطرادا وانما هو تخلص لأنّ «الاستطراد يشترط فيه العود الى الكلام الأول كما تقدم ، وحسان لم يعد الى ما كان عليه من ذكر العاذلة بل أتم القصيدة مستمرا على ذكر هزيمة الحارث بن هشام والإيقاع بقومه في يوم بدر» (٤).
وذكر السيوطي أنّ مما يقترب من الاستطراد ولا يكاد ان يفترقان حسن التخلص ، وقال : «وقال بعضهم : الفرق بين التخلص والاستطراد أنّك في التخلص تركت ما كنت فيه بالكلية وأقبلت على ما تخلصت اليه. وفي الاستطراد تمر بذكر الأمر الذي استطردت اليه مرورا كالبرق الخاطف ثم تتركه وتعود الى ما كنت فيه كأنك لم تقصده وإنّما عرض عروضا.
قال : وبهذا يظهر أنّ ما في سورة الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلص لعوده في الأعراف الى قصة موسى بقوله : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ ...) ، وفي الشعراء الى ذكر الانبياء والأمم» (٥). وقال العلوي : «هو أن يشرع المتكلم في شيء من فنون الكلام ثم يستمر عليه فيخرج الى غيره ثم يرجع الى ما كان عليه من قبل ، فان تمادى فهو الخروج وإن عاد فهو الاستطراد» (٦) ، وفرّق بين الأثنين الحموي والمدني (٧) ، ولكن قد يجتمع التخلص والاستطراد كما في قول مسلم :
أجدّك لا تدرين أن ربّ ليلة |
كأنّ دجاها من قرونك تنشر |
|
أرقت لها حتى تجلّت بغرّة |
كغرة يحيى حين يذكر جعفر |
وعرّف القزويني الاستطراد بقوله : «هو الانتقال من معنى الى معنى آخر متصل به لم يقصد بذكر الأول التوصل الى ذكر الثاني» (٨) ، وذكر السبكي والحموي والسيوطي هذا التعريف (٩) ، وعرفه الزركشي تعريفا غريبا فقال : «وهو التعريض بعيب انسان بذكر عيب غيره» (١٠) ، كقوله تعالى : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ)(١١) ، ونقل ابن قيم الجوزية هذا التعريف والمثال وأضاف اليه بيتي السموأل السابقين (١٢). وذكر المدني بعض التعريفات السابقة ، وأشار الى ما بين الاستطراد والتخلص من فروق ، وذكر أمثلة من القرآن
__________________
(١) معترك ج ١ ص ٥٩.
(٢) نضرة الاغريض ص ١٠٧.
(٣) منهاج البلغاء ص ٣١٦.
(٤) أنوار الربيع ج ١ ص ٢٣٥.
(٥) معترك ج ١ ص ٦١.
(٦) الطراز ج ٣ ص ١٢.
(٧) خزانة ص ٤٤ ، انوار ص ٢٢٩.
(٨) الايضاح ص ٣٤٩.
(٩) عروس الافراح ج ٤ ص ٣١٥ ، خزانة ص ٤٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٥ ، الروض المريع ص ٩٦ ، نفحات ص ١٥٠ ، التبيان في البيان ص ٣٢٠ ، شرح الكافية ص ٧٣.
(١٠) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٠٠.
(١١) ابراهيم ٤٥.
(١٢) الفوائد ص ١٣٥.