المطلق لأنه جزؤه» (١).
وقرّر ابن الاثير الجزري «أنّه اذا كان الشيئان أحدهما خاصا والآخر عاما فانّ استعمال العام في حالة النفي أبلغ من استعماله في حالة الاثبات ، وكذلك استعمال الخاص في حالة الاثبات أبلغ من استعماله في حالة النفي» (٢). مثال ذلك الاسنانية والحيوانية فانّ إثبات الانسانية يوجب إثبات الحيوانية ولا يوجب نفيها نفي الحيوانية ، وكذلك نفي الحيوانية يوجب نفي الانسانية ولا يوجب إثباتها إثبات الانسانية. ومن ذلك قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)(٣) فقد عدل سبحانه وتعالى ـ عن الضوء الى لفظة النور ، وذلك لأنّ النور أعم من الضوء فاذا انتفى انتفى الأخص.
ومما يحمل على ذلك الأوصاف الخاصة إذا وقعت على شيئين وكان يلزم من وصف أحدهما وصف الآخر ولا يلزم عكس ذلك ، ومثاله قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٤) ، فانّه انما خصّ العرض بالذكر دون الطول للمعنى الذي أشير اليه ، والمراد بذلك أنّه إذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها؟ وأما الاسماء المفردة الواقعة على الجنس فكقوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قالَ : يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٥). قال : (ضَلالَةٌ) ولم يقل «ضلال» لأنّ نفي الضلالة أبلغ من نفي الضلال عنه.
وأما الصفتان الواردتان على شيء واحد فكقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)(٦) فان وجود المؤاخذة على الصغيرة يلزم منه وجود المؤاخذة على الكبيرة.
ومنه قول الأشتر النخعي :
خلّفت وفري وانحرفت عن العلى |
ولقيت أضيافي بوجه عبوس |
|
إن لم أشنّ على ابن حرب غارة |
لم تخل يوما من نهاب نفوس |
|
خيلا كأمثال السّعالي شزّبا |
تعدو ببيض في الكريهة شوس |
|
حمي الحديد عليهم فكأنّه |
لمعان برق أو شعاع شموس (٧) |
وأما الصفات المتعددة الواردة على شيء واحد فكقول البحتري في وصف نحول الركاب :
يترقرقن كالسّراب وقد خض |
ن غمارا من السّراب الجاري |
|
كالقسيّ المعطّفات بل الأس |
هم مبريّة بل الأوتار |
فقد رقي في تشبيه نحولها من الأدنى الى الأعلى فشبهها أولا بالقسيّ ، ثم بالأسهم المبرية ، ثم بالأوتار وهي أبلغ في النحول لما سبق.
هذا ما عليه الاسلوب ولكنّ بعضهم قد يخرج على ذلك ، وقد أشار ابن الاثير الى أنّ كثيرا من الشعراء أغفلوا ذلك ومنهم المتنبي الذي قال :
يا بدر يا بحر يا غمامة يا |
ليث الشّرى يا حمام يا رجل (٨) |
وكان ينبغي أن يبدأ فيه بالأدنى فالأدنى فيقول : يا
__________________
(١) جوهر الكنز ص ٢٩٢.
(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٣٢ ، الجامع الكبير ص ١٦٩.
(٣) البقرة ١٧.
(٤) آل عمران ١٣٣.
(٥) الأعراف ٦٠ ـ ٦١.
(٦) الكهف ٤٩.
(٧) الوفر ؛ المال. الشزب ؛ الضمر. الشوس ؛ جمع أشوس ، وهو الذي ينظر نظرة الغاضب المتكبر.
(٨) الشرى ؛ مكان تنسب اليه الأسود. الحمام ؛ الموت.