والتبريزي والبغدادي والمظفر العلوي والحلبي والنويري (١). وقال عبد القاهر : «كذلك إثباتك الصفة للشيء تثبتها له إذا لم تلقه الى السامع صريحا وجئت اليه من جانب التعريض والكناية والرمز والاشارة ، وكان له من الفضل والمزية ومن الحسن والرونق مالا يقل قليله ولا يجهل موضع الفضل فيه» (٢).
وقال المصري : «من الاشارة نوع يقال له اللحن والوحي ، وهو يجمع العبارة والاشارة ببعد لا يفهم طريقه إلا ذو فهم ، كما قال الشاعر :
ولقد وحيت لكم لكيما تفطنوا |
ولحنت لحنا ليس بالمرتاب (٣) |
وقال ابن قيم الجوزية : «الاشارة أن تطلق لفظا جليا تريد به معنى خفيا ، وذلك من ملح الكلام وجواهر النثر والنظام» (٤). وأدخل في هذا الفن بعض أمثلة الكناية ، وذلك لأنّه قسّم الاشارة الى أربعة أقسام :
الاول : هو ما عرف به.
الثاني : أن يكون اللفظ القليل مشتملا على المعنى الكبير.
الثالث : المعميات والالغاز.
الرابع : التورية.
وقال : «إنّ الإشارة في الحسن والكناية في القبيح» (٥) ، وهذا هو الفرق بين الفنين عنده. وهذا التقسيم عودة الى تقسيم السكاكي للكناية الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة (٦) ، وكأنّ الاشارة جزء من الكناية ، وإن كانت عبارة عبد القاهر : «وجئت اليه من جانب التعريض والكناية والرمز والاشارة» توحي بان كل فن من هذه الفنون قائم بنفسه.
ونقل السبكي تعريف قدامة وقال إنّها من الايجاز (٧) ، وذهب الى ذلك السيوطي وقال إنّها إيجاز القصر بعينه (٨). وفرّق المصري بينهما وقال إنّ دلالة اللفظ في الايجاز دلالة مطابقة ، ودلالة اللفظ في الاشارة إما دلالة تضمن أو دلالة التزام (٩) ، أي أنّ الإشارة كالكناية وليست كالإيجاز.
ولم يخرج المتأخرون كالمدني (١٠) عما بدأه قدامة بل أرجع الاشارة اليه وذكر أنّها من مستخرجاته ، ولا تكاد أمثلته تخرج على أمثلة السابقين.
ومن أمثلة الاشارة قوله تعالى : (وَغِيضَ الْماءُ)(١١) ، فان ذلك يشير الى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض ومطر السماء ولو لا ذلك لما غاض.
ومنه قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ)(١٢) ، فقد أشارت لفظة الأمر الى ابتداء نبوة موسى ـ عليهالسلام ـ وخطاب الله له ، واعطائه الآيات البينات من إلقاء العصا لتصير ثعبانا وإخراج يده بيضاء وإرساله الى فرعون وسؤاله شدّ عضده بأخيه هارون الى جميع ما جرى في ذلك المقام. وقوله
__________________
(١) سر الفصاحة ص ٢٤٣ ، الوافي ص ٢٦٧ ، قانون البلاغة ص ٤١٦ ، ٤٤١ ، نضرة الاغريض ص ٣٣ ، حسن التوسل ص ٢٦٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٨ ، ١٤٠ ، كفاية الطالب ص ١٧٣.
(٢) دلائل الاعجاز ص ٢٣٧.
(٣) تحرير التحبير ص ٢٠٤ ، بديع القرآن ص ٨٢ ، وينظر خزانة الادب ص ٣٥٨ ، نفحات ص ٢٢١.
(٤) الفوائد ص ١٢٥.
(٥) الفوائد ص ١٢٦.
(٦) مفتاح العلوم ص ١٩٦.
(٧) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧١.
(٨) معترك الاقران ج ١ ص ٣٠٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٥٦ ، شرح عقود الجمان ص ٧٦.
(٩) بديع القرآن ص ٨٢.
(١٠) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٠١ ، وينظر المنزع البديع ص ٢٦٢ والمنصف ص ٥٤ ، شرح الكافية ص ١٦٠.
(١١) هود ٤٤.
(١٢) القصص ٤٤.