تختار واحدا منها لما يحصل فيه من مناسبة ما بعده وملاءمته» (١).
وقال الحموي : «هو أن يكون في الكلام معنى يصح معه هذا النوع ، ويأخذ عدة معان فيختار منها لفظة بينها وبين الكلام ائتلاف» (٢).
وقال السيوطي : «أن تكون الألفاظ تلائم بعضها بعضا بأن يقرن الغريب بمثله والمتداول بمثله رعاية لحسن الجوار والمناسبة» (٣).
وذكر المدني أنّ لهذا النوع تعريفين عند البديعيين :
الأول : ما ذكره صفيّ الدين الحلّيّ وعليه أصحاب البديعيات وهو : «أن يكون في الكلام معنى يصحّ معه واحد من عدة معان فيختار منها ما بين لفظه وبين بعض الكلام ائتلاف وملاءمة وإن كان غيره يسدّ مسدّه».
كقول البحتري :
كالقسيّ المعطّفات بل الأس |
هم مبريّة بل الأوتار (٤) |
فانّ تشبيه الابل بالقسيّ من حيث هو كناية عن هزالها يصحّ معه تشبيهها بالعراجين والأهلّة والأطناب ونحوها ، فاختار من ذلك تشبيهها بالاسهم والاوتار لما بينهما وبين القسيّ من الملاءمة والائتلاف.
الثاني : ما ذكره السيوطي ، وهو التعريف السابق كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً)(٥). أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء ، فانها أقلّ استعمالا وأبعد من أفهام العامة بالنسبة الى الباء والواو ، وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الاسماء وتنصب الأخبار وهو «تفتأ» فانّ «تزال» أقرب الى الافهام واكثر استعمالا من «تفتأ» ، وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو «الحرض» فاقتضى حسن الوضع أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف الألفاظ لتتعادل في الوضع ، وتتناسب في النظم. ولما أراد غير ذلك قال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)(٦) فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها.
وهذا التعريف والتمثيل له هو الذي ينبغي المصير اليه والتعويل عليه ليكون نوعا مستقلا مغايرا لمراعاة النظير ، أما التعريف الأول والتمثيل له فهما شاملان لمراعاة النظير (٧).
ومن أمثلة هذا الفن قول المتنبي :
على سابح موج المنايا بنحره |
غداة كأنّ النّبل في صدره وبل |
فالسابح : الحصان ، فلما وصفه بالسباحة عقّبه بذكر الموج ، وذكر النبل وعقّبه بذكر الوبل لما كان يشبه النبل في شدة وقعه وسرعة حركته ، ثم واصل بين الوبل والموج لما بينهما من الملاءمة.
ومن ذلك قول ابن رشيق القيرواني :
أصحّ وأقوى ما رويناه في النّدى |
من الخبر المأثور منذ قديم |
|
أحاديث ترويها السيول عن الحيا |
عن البحر عن جود الأمير تميم |
فلاءم بين الصحة والقوة ، وبين الرواية والخبر ؛ لأنها كلها متقاربة في ألفاظها ، ثم قوله أحاديث تقارب الأخبار ، ثم أردفها بقوله السيول ، ثم عقبه بالحيا ؛ لأن السيول منه ، ثم عن البحر ؛ لأنه يقرب من السيل ، ثم تابع بعد ذلك بقوله : «عن جود الأمير تميم» فهذه الأمور كلها متقاربة ، فلأجل هذا لاءم
__________________
(١) الطراز ج ٣ ص ١٤٦.
(٢) خزانة الادب ص ٤٣٨.
(٣) الاتقان ج ٢ ص ٨٨.
(٤) القسي ؛ جمع قوس. وهي آلة رمي السهام.
المعطفات ؛ المحنية الاسهم مبرية ؛ النبال منحوتة ؛ الأوتار ؛ جمع وتر ، وهو ما يشد بين طرفي القوس لينبض عند الرمي.
(٥) يوسف ٨٥.
(٦) النور ٥٣.
(٧) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.