عن الاغراق إنّه قسمان أحسنهما وأدخلهما في القبول ما اقترن به ما يقربه من حد الصحة كـ «قد» و «كاد» و «لو» و «لو لا» وحرف التشبيه. وقال عن الغلو إنّ المقبول منه «أن لا يتضمن دعوى كون الوصف على مقدار غير ممكن الوصف بما هو خارج عن طباق الموصوف» (١).
ولكنّ معظم البلاغيين آثروا مصطلح «الإغراق» وقد قال ابن منقذ عنه : «هو أن يبالغ في الشيء بلفظه ومعناه» (٢) ، وقال الحلبي : «هو فوق المبالغة ودون الغلوّ» (٣) ، وقال عن الغلوّ : «ومنهم من يجعله هو والإغراق شيئا واحدا». (٤) وذكر النويري مثل ذلك (٥).
وجمع ابن الاثير الحلبي الإغراق والغلوّ والمبالغة في باب واحد وقال : «هي ثلاث تسميات متقاربة وردت في باب واحد لقرب بعضها من بعض» (٦) ، وقال في الإغراق : «هو الزيادة في المبالغة حتى يخرجها عن حدّها». وفي الغلوّ : «هو زيادة في الخروج عن الحدّ». وفي المبالغة : «بلوغ القصد في المعنى من غير تجاوز في الحدّ». ومثّل للإغراق بقول ابن المعتزّ :
صببنا عليها ظالمين سياطنا |
فطارت بها أيد سراع وأرجل |
وللغلو بقول الشاعر :
تظلّ تحفر عنه إن ضربت به |
بعد الذراعين والساقين والهادي |
وللمبالغة بقول الآخر :
تصرّم الدهر لا وصل فيطمعني |
فيما لديك ولا نأي فيسليني |
|
وكيف أعجب من عصيان قلبك لي |
يوما إذا كان قلبي فيك يعصيني |
والإغراق عند العلوي أحد أنواع المبالغة وقد قال عنه إنّه «ما كان ممكن الوقوع لكنه ممتنع وقوعه في العادة» (٧) كقول المتنبّي :
كفى بجسمي نحولا إنّني رجل |
لو لا مخاطبتي إيّاك لم ترني |
وحصر القزويني المبالغة في التبليغ والإغراق والغلوّ لأنّ «المدعي للوصف من الشدة أو الضعف إما إن يكون ممكنا في نفسه ، والثاني الغلو ، والاول إما أن يكون ممكنا في العادة أو لا ، الأوّل التبليغ ، والثاني الإغراق» (٨). وذكر للإغراق قول الشاعر :
ونكرم جارنا ما دام فينا |
ونتبعه الكرامة حيث مالا |
وتبعه في ذلك شرّاح تلخيصه والسيوطي (٩). ووضع الحموي الإغراق فوق المبالغة ودون الغلوّ وقال عنه : «هو في الاصطلاح إفراط وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه عادة» (١٠) ، وقال المدني : «الإغراق هو أن تدّعي لشيء وصفا بالغا حدّ الإمكان عقلا والاستحالة عادة» (١١).
ومن الإغراق الى جانب ما تقدّم قول امرئ القيس :
تنوّرتها من أذرعات وأهلها |
بيثرب أدنى دارها نظر عال |
فإنّ أذرعات في الشام ويثرب في الحجاز ، وبينهما ما بينهما من الجبال.
__________________
(١) المصباح ص ١٠٣.
(٢) البديع في نقد الشعر ص ٨٣.
(٣) حسن التوسل ص ٢٧٦.
(٤) حسن التوسل ص ٢٧٦.
(٥) نهاية الارب ج ٧ ص ١٤٩.
(٦) جوهر الكنز ص ١٣٥.
(٧) الطراز ج ٣ ص ١٢٧.
(٨) الايضاح ص ٣٦٥ ، التلخيص ص ٣٧٠.
(٩) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٦٠ ، المطول ص ٤٣٤ ، الاطول ج ٢ ص ٢٠٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٢ ، حلية اللب ص ١٤١ ، شرح الكافية ص ١٥٢.
(١٠) خزانة الادب ص ٢٢٧ ، نفحات ص ٢٠٦.
(١١) أنوار الربيع ج ٤ ص ٢١٩.