فلولا الريح أسمع من بحجر |
صليل البيض تقرع بالذكور (١) |
وهذا ما ذكره قدامة فيما بعد وأدخله في المبالغة (٢).
ومن أشعار المقتصدين في الشعر قول بعضهم :
تركت الركاب لأربابها |
فأجهدت نفسي على ابن الصعق |
|
جعلت يديّ وشاحا له |
وبعض الفوارس لا يعتنق |
وممن صدق على نفسه عمرو بن الاطنابة حيث يقول :
وإقدامي على المكروه نفسي |
وضربي هامة الرجل المشيح |
|
وقولي كلما جشأت وجاشت |
مكانك تحمدي أو تستريحي (٣) |
وتحدث ابن قتيبة عن ذلك واستحسن المبالغة والافراط في الاستعارة وقال : «وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفن وينسبها فيه الى الافراط وتجاوز المقدار ، وما أرى ذلك إلا جائزا حسنا» (٤). وأشار المبرد الى الافراط في قول الشاعر :
فلو أنّ ما أبقيت مني معلّق |
بعود ثمام ما تأوّد عودها |
وقال : إنّ هذا متجاوز «وأحسن منه ما أصاب به الحقيقة ونبه فيه بفطنته على ما يخفى عن غيره وساقه برصف قوي واختصار قريب» (٥).
وأشار ثعلب الى الإفراط في الغلو وذكر له أمثلة (٦) كقول النابغة :
وإنّك شمس والملوك كواكب |
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب |
وذكر ابن المعتز الافراط في الصفة وعدّه من محاسن الكلام (٧). وتحدث عنه قدامة في باب المبالغة (٨) ، وتكلم عليه القاضي الجرجاني فقال : «فأما الافراط فمذهب عام في المحدثين وموجود كثير في الاوائل ، والناس فيه مختلفون فمستحسن قابل ومستقبح رادّ ، وله رسوم متى وقف الشاعر عندها ولم يتجاوز الوصف حدّها جمع بين القصد والاستيفاء وسلم من النقص والاعتداء ، فاذا تجاوزها اتسعت له الغاية وأدته الحال الى الاحالة ، وإنّما الاحالة نتيجة الافراط وشعبة من الاغراق ، والباب واحد ، ولكن له درج ومراتب. فاذا سمع المحدث قول الأول :
ألا إنّما غادرت يا أمّ مالك |
صدّى أينما تذهب به الريح يذهب |
وقول آخر من المتقدمين :
ولو أنّ أبقيت مني معلّق |
بعود ثمام ما تأوّد عودها |
جسر على أن يقول :
أسرّ إذا نحلت وذاب جسمي |
لعلّ الريح تسفي بي اليه (٩) |
وبدأ هذا الفن يدخل الدراسات البلاغية ، فتحدث عنه ابن رشيق في باب الغلو والإغراق (١٠) ، وعرّفه ابن الاثير بقوله : «وأما الإفراط فهو الإسراف وتجاوز الحد ، يقال : «أفرط في الشيء إذا أسرف وتجاوز الحد» (١١).
وفرّق بينه وبين التفريط فقال : «أما التفريط والإفراط فهما ضدان أحدهما أن يكون لمعنى المضمر في العبارة دون ما تقتضيه منزلة المعبّر عنه. والآخر أن
__________________
(١) الحيوان ج ٦ ص ٤١٨.
(٢) نقد الشعر ص ٦٢ ، ٢٤٣.
(٣) الحيوان ج ٦ ص ٤٢٥.
(٤) تأويل مشكل القرآن ص ١٣١.
(٥) الكامل ج ١ ص ٢٥٣ ، وينظر العمدة ج ٢ ص ٦١.
(٦) قواعد الشعر ص ٤٠.
(٧) البديع ص ٦٥.
(٨) نقد الشعر ص ١٦٠.
(٩) الوساطة ص ٤٢٠.
(١٠) العمدة ج ٢ ص ٦٠.
(١١) المثل السائر ص ٣١٦ ، الجامع الكبير ص ٢٢٦.