بلغ نهايته ، وانتهى الشيء وتناهى ونهّى : بلغ نهايته (١).
قال ابن رشيق : «وأمّا الانتهاء فهو قاعدة القصيدة وآخر ما يبقى منها في الاسماع وسبيله أن يكون محكما لا تمكن الزيادة عليه ولا يأتي بعده أحسن منه ، واذا كان أول الشعر مفتاحا له وجب أن يكون الآخر قفلا عليه. وقد أربى أبو الطيب على كل شاعر في جودة فصول هذا الباب الثلاثة (٢) إلا أنّه ربما عقّد أوائل الاشعار ثقة بنفسه وإغرابا على الناس» (٣). كقوله في أول قصيدة :
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه |
بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه |
وقال ابن رشيق بعد ذلك : «ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها والنفس بها متعلقة ، وفيها راغبة مشتهية ويبقى الكلام مبتورا كأنه لم يتعمد جعله خاتمة ، كل ذلك رغبة في أخذ العفو واسقاط الكلفة. ألا ترى معلقة امرىء القيس كيف ختمها بقوله يصف السيل من شدة المطر :
كأنّ السباع فيه غرقى غديّة |
بأرجائه القصوى أنا بيش عنصل (٤) |
فلم يجعل لها قاعدة كما فعل غيره من أصحاب المعلقات وهي أفضلها.
وقد كره الحذّاق من الشعراء ختم القصيدة بالدعاء ؛ لأنّه من عمل أهل الضعف إلا للملوك فانهم يشتهون ذلك ما لم يكن من جنس قول أبي الطيب يذكر الخيل لسيف الدولة :
فلا هجمت بها إلا على ظفر |
ولا وصلت بها إلا الى أمل |
فان هذا شبيه ما ذكر عن بغيض : كان يصابح الأمير فيقول : لا صبّح الله الأمير بعافية ، ويسكت ثم يقول :
إلا ومسّاه بأكثر منها ، ويماسيه فيقول : لا مسّى الله الأمير بنعمة ويسكت سكتة ثم يقول : إلا وصبّحه بأتمّ منها ، أو نحو هذا ، فلا يدعو له حتى يدعو عليه ، ومثل هذا قبيح لا سيما عن مثل أبي الطيب» (٥).
وسماه القزويني كما سماه ابن رشيق وقال : «ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى تكون أعذب لفظا وأحسن سبكا وأصح معنى ، الأول الابتداء ... والثاني التخلص ... والثالث الانتهاء لأنّه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس» (٦).
ومن الانتهاءات المرضية قول أبي نواس :
فبقيت للعلم الذي تهدي له |
وتقاعست عن يومك الأيام |
وقول أبي تمام في خاتمة قصيدة فتح عمورية :
إن كان بين صروف الدهر من رحم |
موصولة أو ذمام غير مقتضب |
|
فبين أيامك اللاتي نصرت بها |
وبين أيام بدر أقرب النّسب |
|
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم |
صفر الوجوه وجلّت أوجه العرب |
وسار شراح التلخيص على سبيل القزويني في الانتهاء (٧).
ونقل الجاحظ عن شبيب بن شيبة قوله : «والناس موكلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه وأنا موكل بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه» (٨).
وسماه الحلبي «براعة المقطع» وقال : «هو أن يكون آخر الكلام الذي يقف عليه المترسل أو الخطيب أو
__________________
(١) اللسان (نهي).
(٢) أي : الابتداء والتخلص والانتهاء.
(٣) العمدة ج ١ ص ٢٣٩.
(٤) العنصل ؛ بصل بري يعمل منه خل شديد الحموضة. الانابيش ؛ العروق.
(٥) العمدة ج ١ ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.
(٦) الايضاح ص ٤٣٤ ، التلخيص ص ٤٣٤.
(٧) شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٤٣ ، المطول ص ٤٨١ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥٩.
(٨) البيان ج ١ ص ١١٢.