لأحدهما كقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ)(١) وهو لـ «أمركم» وحده ، وانما المراد : أجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم.
ومن حذف الفعل باب يسمى «باب إقامة المصدر مقام الفعل» ويؤتي به لضرب من المبالغة والتوكيد كقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ)(٢) أي : فاضربوا الرقاب ضربا ، حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وفي ذلك اختصار وتوكيد.
وأما حذف جواب الفعل فانه لا يكون في الأمر المحتوم كقوله تعالى : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا*)(٣) لأنّهما جواب أمر (فَذَرْهُمْ*) وحذف الجواب في هذا لا يدخل في باب الايجاز.
٣ ـ حذف المفعول به كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا)(٤). فبعد كل فعل مفعول به محذوف. ويكون ذلك لأغراض منها أن يكون غرض المتكلم بيان حال الفعل والفاعل فقط أو أن يكون غرض المتكلم ذكره ولكنه يحذفه ليوهم أنّه لم يقصد كقول البحتري :
شجو حسّاده وغيظ عداه |
أن يرى مبصر ويسمع واع |
أي : أن يرى مبصر محاسنه ويسمع واع أخباره.
او أن يحذف لأنّه معلوم ويأتي هذا بعد فعل المشيئة كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ)(٥) أي : لو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها.
ومنه قول البحتري :
لو شئت لم تفسد سماحة حاتم |
كرما ولم تهدم مآثر خالد |
أي : لو شئت أن لا تفسد سماحة حاتم لم تفسدها ، فحذف ذلك من الأول استغناء بدلالته عليه في الثاني (٦).
٤ ـ حذف المضاف أو المضاف اليه واقامة كل واحد منهما مقام الآخر ، فمن حذف المضاف قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٧) أي : أهلها. ومن حذف المضاف اليه قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(٨) ، أي : من قبل ذلك ومن بعد ذلك.
٥ ـ حذف الموصوف أو الصفة وإقامة كل واحد منهما مقام الآخر. فمن حذف الموصوف قوله تعالى :(وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(٩) أي : آية مبصرة ، ولم يرد الناقة فإنّها لا معنى لها لو وصفها بالبصر.
ومن حذف الصفة قوله : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(١٠) أي : كل سفينة صحيحة أو صالحة.
٦ ـ حذف الشرط أو جوابه ، ومثال حذف الشرط قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(١١) ، فالفاء في قوله : (فَاعْبُدُونِ) جواب شرط محذوف والمعنى : أنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا لي العبادة في أرض فاخلصوها في غيرها.
ومنه قول الشاعر :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
ثم القفول ، فقد جئنا خراسانا |
كأنه قال : إن صحّ ما قلتم انّ خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان وآن لنا أن نخلص.
ومن حذف جواب الشرط قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
__________________
(١) يونس ٧١.
(٢) محمد ٤.
(٣) الزخرف ٨٣ ، المعارج ٤٢.
(٤) النجم ٤٣ ـ ٤٤.
(٥) البقرة ٢٠.
(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٩٧ ، بديع القرآن ص ١٨٥ ، الطراز ج ٢ ص ١٠٤.
(٧) يوسف ٨٢.
(٨) الروم ٤.
(٩) الاسراء ٥٩.
(١٠) الكهف ٧٩.
(١١) العنكبوت ٥٦.