ويجوز عكس البيت المضمن بأن يجعل عجزه صدرا أو صدره عجزا وقد تحذف صدور قصيدة بكمالها وينظم لها المودع صدورا لغرض اختاره وبالعكس» (١).
وقال السيوطي : «والمصراع فما دونه يسمى رفوا وايداعا ؛ لأنّه رفا بشعر الغير وأودعه إياه» (٢).
وقال المدني : «هو أن يودع الشاعر شعره بيتا فأكثر أو مصراعا فما دونه من شعر غيره بعد أن يوطىء له في شعره توطئة تناسبه وتلائمه ويسمى التضمين والرفو أيضا» (٣). ثم قال : «والايداع عند البديعيين من المحاسن».
ومثال الايداع في النثر قول علي ـ رضياللهعنه ـ في جواب كتابه لمعاوية : «ثم زعمت أنّي لكل الخلفاء حسدت ، وعلى كلهم بغيت ، فان يكون ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر اليك : «وتلك شكاة ظاهر عنك عارها». وهذا عجز بيت تمثل به أيضا عبد الله بن الزبير وقد قال أهل الشام له : «يا ابن ذات النطاقين» على سبيل المعيرة لها بذلك ، نظر الى أنها كانت خادمة لا مخدومة على طريقة الجاهلية في مدح النساء وذمهم فأنشد :
وعيّرها الواشون أنّي أحبّها |
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها |
ومن شواهد الايداع الشعرية قول أبي نواس :
تغنّى وما دارت له الكأس ثالثا |
تعزّى بصبر بعد فاطمة القلب |
وقد يجتمع الايداع والتضمين في شعر واحد كقول علي بن الجهم في «فضل» الشاعرة و «بنان» المعنّي :
كلّما غنّى بنان |
اسمعي أو خبرينا |
|
أنشدت فضل ألا حيي |
ت عنا يا مدينا |
|
عارضت معنى بمعنى |
والندامى غافلينا |
فوقع التضمين في البيت الاول والايداع في البيت الثاني.
وقال المصري : «وكنت نظرت الى بيت لأبي الطيب وهو :
تذكرت ما بين العذيب وبارق |
مجرّ عوالينا ومجرى السوابق (٤) |
فأودعت كل قسم منه بيتا من قصيدة مطلعها :
أعر مقلتي إن كنت غير مرافقي |
دموعا لتبكي فقد حيّ مفارق |
|
فقد نضبت يوم الوداع مدامعي |
وشابت لتشتيت الفراق مفارقي |
والبيتان منها :
إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها |
تذكّرت ما بين العذيب وبارق |
|
ويذكرني من قدّها ومدامعي |
مجرّ عوالينا ومجرى السوابق |
وإن أخذ نصف بيت لغيره فابتدأ به وثنى عليه تتمة البيت لا غير فذلك تمليط ، وان بنى عليه كل ما يخطر له من أبيات لتمام غرضه فذلك توطيد» (٥). ويبدو من الأمثلة المتقدمة أنّ الايداع هو التضمين وأنّ المصري لم يكن دقيقا حينما أنكر على البلاغيين خلطهم بين الايداع والتضمين ، وقد أشار المدني الى مثل ذلك فقال : «وانكار كون التضمين بمعنى الايداع بعد أن اصطلح على ذلك كثير من أرباب هذا الفن ، بل هو
__________________
(١) خزانة الأدب ص ٣٧٧ ، نفحات ص ٨٥.
(٢) شرح عقود الجمان ص ١٧٠.
(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ٧٣ ، شرح الكافية ص ٢٦٦.
(٤) العذيب وبارق ؛ موضعان بظاهر الكوفة. العوالي ؛ الرماح. السوابق ؛ الخيل.
(٥) تحرير التحبير ص ٣٨٢.