وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(١). وذكر السكاكي هذه الآية شاهدا أيضا وقال عن الايهام : «هو أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لايهام القريب في الحال الى أن يظهر أنّ المراد به البعيد» (٢) كقول الشاعر :
حملناهم طرا على الدّهم بعد ما |
خلعنا عليهم بالطعان ملابسا |
أراد بالحمل على الدهم : تقييد العدى فأوهم إركابهم الدهم. ومنه قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٣).
وذكر الحلبي والنويري أنّ الايهام «يقال له التورية والتخييل ، وهو أن تذكر ألفاظا «لها معان قريبة وبعيدة فاذا سمعها الانسان سبق إلى فهمه القريب ، ومراد المتكلم البعيد» (٤). ومثاله قول عمر بن أبي ربيعة :
أيّها المنكح الثريا سهيلا |
عمرك الله كيف يلتقيان |
|
هي شامية إذا ما استقلّت |
وسهيل اذا استقلّ يماني |
فذكر الثريا وسهيلا ليوهم أنّه يريد النجمين ويقول :كيف يجتمعان ، والثريا من منازل القمر الشامية ، وسهيل من النجوم اليمانية. ومراده الثريا التي كان يتغزل بها لما زوجت بسهيل. وقالا عن قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٥) إنّه من التخييل وهو «تصوير حقيقة الشيء للتعظيم» (٦).
وعقد الزركشي بابا للتورية وقال : «وتسمى الايهام والتخييل والمغالطة والتوجيه» (٧) وعرّفها بمثل تعريف الايهام ، وفرّق بينها وبين الاستخدام ، وذلك انها استعمال المعنيين في اللفظ واهمال الآخر ، والاستخدام استعمالهما معا بقرينتين ، أي أنّ المشترك إن استعمل في مفهومين معا فهو الاستخدام وإن أريد أحدهما مع لمح الآخر باطنا فهو التورية.
وذهب الحموي الى ذلك وقال : «والتورية أولى في التسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنها مصدر ورّيت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر» (٨).
وسمى السيوطي هذا الفن إيهاما وأشار الى أنّه يدعى التورية أيضا (٩) ، وفضّل المدني اسم التورية فقال : «التورية أقرب اسم سمّي به هذا النوع ولمطابقته المسمّى لأنّه مصدر ورّيت الحديث : إذا أخفيته وأظهرت غيره. قال أبو عبيدة : لا أراه إلا مأخوذا من وراء الانسان ، فاذا قال : «وريته» فكأنه جعله وراءه بحيث لا يظهر. ويسمى الايهام والتوجيه والتخييل» (١٠). ولكن الأفضل أن يقال عن الآيات القرآنية إنّها تخييل لأنّها ليست تورية ولا ايهاما بالمعنى المتأخر ، وقد ألمح الزمخشري الى مثل ذلك فقال عن قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١١) «لما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الانسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تقديره عظمه حق تعظيمه قيل : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وقرئ
__________________
(١) الزمر ٦٧.
(٢) مفتاح العلوم ص ٢٠١.
(٣) طه ٥.
(٤) حسن التوسل ص ٢٤٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣١.
(٥) الزمر ٦٧.
(٦) حسن التوسل ص ٢٥٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣٢.
(٧) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٤٥ ، وينظر التبيان في البيان ص ٢٤٣.
(٨) خزانة الأدب ص ٢٣٩.
(٩) معترك ج ١ ص ٣٧٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٣ ، شرح عقود الجمان ص ١١٢.
(١٠) أنوار الربيع ج ٥ ص ٥.
(١١) الزمر ٦٧.