ومطلع أشجع السّلمي :
قصر عليه تحية وسلام |
خلعت عليه جمالها الأيام |
وقالوا إنّ الابتداءات البارعة التي تقدم أصحابها فيها معروفة ، منها :
أولا : قول النابغة المتقدم.
ثانيا : قول علقمة بن عبدة :
طحابك قلب في الحسان طروب |
بعيد الشباب عصر حان مشيب |
ثالثا : قول امرئ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
رابعا : قول القطامي :
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل |
وإن بليت وإن أعيا بك الطيل |
خامسا : قول أوس بن حجر :
أيّتها النفس أجملي جزعا |
إنّ الذي تحذرين قد وقعا |
|
إنّ الذي جمع الشجاعة والنج |
دة والحزم والنّدى جمعا |
|
الألمعيّ الذي يظنّ بك الظّن |
نّ كأن قد رأى وقد سمعا |
وقالوا : «لم يبتدئ أحد من الشعراء بأحسن مما ابتدأ به أوس بن حجر ، لأنّه افتتح المرثية بلفظ نطق به على المذهب الذي ذهب إليه منها في القصيدة فأشعرك بمرادة في أول بيت» (١).
سادسا : قول أبي ذؤيب.
أمن المنون وريبها تتوجّع |
والدهر ليس بمعتب من يجزع |
وقد ابتدأ كلامه في أوله بما دل على آخر غرضه.
ومثل هذه الابتداءات كثير في شعر القدماء والمحدثين.
واستقبحوا مطلع اسحاق الموصلي :
يا دار غيّرك البلى ومحاك |
يا ليت شعري ما الذي أبلاك |
لأنّ القصيدة في تهنئة المعتصم بالله لما بنى قصره بالميدان وجلس فيه ، وقيل : إنّ المعتصم تطيّر بهذا الابتداء وأمر بهدم القصر.
وليس ما وقع فيه اسحاق من قبح الابتداء فريدا بل قد وقع فيه شعراء كبار كالمتنبي قال الثعالبي : «ولأبي الطيب ابتداءات ليست لعمري من أحرار الكلام وغرره بل هي ـ كما نعاها عليه العائبون ـ مستشنعة لا يرفع السمع لها حجابه ولا يفتح القلب لها بابه» (٢) من ذلك قوله :
هذي برزت لنا فهجت رسيسا |
ثم انصرفت وما شفيت نسيسا |
فانه لم يرض بحذف علامة النداء من «هذي» حتى ذكر الرسيس والنسيس ، فأخذ بطرفي الثقل والبرد.
وأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود ويسمى «براعة الاستهلال» كقول أبي تمام يهنئ المعتصم بفتح عمورية وكان أهل التنجيم زعموا أنّها لا تفتح في ذلك الوقت :
السيف أصدق أنباء من الكتب |
في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب |
|
بيض الصفائح لاسود الصحائف في |
متونهنّ جلاء الشّكّ والرّيب |
وقول المتنبي يرثي أم سيف الدولة الحمدانى :
نعدّ المشرفية والعوالي |
وتقتلنا المنون بلا قتال |
__________________
(١) حلية المحاضرة ج ١ ص ٢٠٦.
(٢) يتيمة الدهر ج ١ ص ١٦١.