أمثلة للأخير : «فهذه أمثلة ابتداءات القصائد ، وأما أمثلة بارعة اسلاتهلال فمنها قول محمد بن الخياط :
لمست بكفي كفّه أبتغي الغنى |
ولم أدر أنّ الجود من كفّه يعدي |
|
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى |
أفدت وأعداني فأنفدت ما عندي |
ولقد أحسن البحتري اتباعه في هذا المعنى حيث قال :
أعدت يداه يدي وشرّد جوده |
بخلي فأفقرني كما أغناني |
|
ووثقت بالخلق الجميل معجّلا |
منه فأعطيت الذي أعطاني |
واذا نظرت الى فواتح السور الفرقانية جملها ومفرداتها رأيت من البلاغة والتفنن في الفصاحة ما لا تقدر العبارة على حصر معناه ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليقف على كتابي المنعوت بالخواطر السوانح في كشف أسرار الفواتح» (١).
وقال الحلبي والنويري ما قاله المصري عن حسن الابتداءات أي أنّها «تسمية ابن المعتز وأراد بها ابتداءات القصائد. وقد فرّع المتأخرون من هذه التسمية براعة الاستهلال ، وهو أن يأتي الناظم أو الناثر في ابتداء كلامه ببيّنة أو قرينة تدل على مراده في القصيدة أو الرسالة أو معظم مراده ، والكاتب أشدّ ضرورة الى ذلك من غيره ليبني كلامه على نسق واحد دل عليه من أوله وهلة علم بها مقصده» (٢).
وقال ابن الاثير الحلبي عن براعة الاستهلال : «ويسمى حسن الابتداءات وهو من نعوت الألفاظ ، وهو أن يكون مطلع الكلام دالا على المقصود في حسن الابتداء» (٣). وهذا خلاف ما ذكره السابقون من أنّ براعة الاستهلال مما فرعه المتأخرون عن حسن الابتداءات.
وقال ابن قيم الجوزية : «هو أن يذكر الانسان في أول خطبته أو قصيدته أو رسالته كلاما دالا على الغرض الذي يقصده ليكون ابتداء كلامه دالا على انتهائه» (٤).
ثم قال : «هذا النوع قد قدمناه في فصل حسن المطلع لكن الزنجاني ـ رحمهالله ـ أفرد له بابا فأفردناه على حكم ما أفرده ، وكان في حسن المطلع زيادات يحتاج اليها فذكرناها ههنا ، وهذه الزيادة التي اقتضت افراده» (٥).
وعدّه القزويني من حسن الابتداء وقال : «وأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود ، ويسمى براعة الاستهلال» (٦). كقول أبي تمام يهنىء المعصتم بالله بفتح عمورية وكان أهل التنجيم زعموا أنّها لا تفتح في ذلك الوقت :
السيف أصدق أنباء من الكتب |
في حدّه الحدّ بين الجد واللّعب |
|
بيض الصفائح لا سود الصحائف في |
متونهنّ جلاء الشكّ والريب |
وتبع القزويني في ذلك شراح تلخيصه (٧).
وقال السيوطي : «ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال ، وهو أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه ويشير الى ما سبق الكلام لأجله. والعلم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن الكريم فأنها مشتملة على جميع مقاصده» (٨).
__________________
(١) تحرير ص ١٧٢.
(٢) حسن التوسل ص ٢٥٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣٣.
(٣) جوهر الكنز ص ٢١٨.
(٤) الفوائد ص ١٣٩.
(٥) الفوائد ص ١٤٠.
(٦) الايضاح ص ٤٣١ ، التلخيص ص ٤٣١.
(٧) شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٣٣ ، المطول ص ٤٧٩ ، الأطول ج ٢ ص ٢٥٧.
(٨) معترك الاقران ج ١ ص ٧٥ ، الاتقان ج ٢ ص ١٠٦.