أريقك أم ماء الغمامة أم خمر |
بفيّ برود وهو في كبدي جمر |
وتحدث السكاكي عنه في تنكير المسند اليه وذكر التجاهل في البلاغة (١) ومثّل له بقول الخارجية :
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
كأنّك لم تجزع على ابن طريف |
ثم أدخله بعد ذلك في التحسين المعنوي وسمّاه «سوق المعلوم مساق غيره» وقال : «ولا أحب تسمية بالتجاهل» (٢) ومثّل له بقول الخارجية : «أيا شجر الخابور ...» وبالآية السابقة. ولعل الدافع الى ذلك هو تعظيم كتاب الله واحترامه وقد أشار ابن الاثير الحلبي الى ذلك حينما تكلم على هذا الفن ، وقال : «وهذا الباب له اسمان : أحدهما : تجاهل العارف ، والآخر : يقال له الاعنات ، فأما الأول فيطلق على ما يأتي من نوعه في النظم والنثر ، وأما الثاني فيطلق على ما يأتي من هذا النوع في الكتاب العزيز أدبا مع الآيات الكريمة إذ لا يصحّ إطلاق تسمية «تجاهل العارف» على شيء من آيات الكتاب العزيز» (٣) وتسمية السكاكي أدقّ واكثر أدبا من الاعنات الذي هو لزوم ما يلزم عند كثير من البلاغيين كما تقدم.
وقال ابن الزملكاني : «هو أن تسأل عن شيء تعرفه موهما أنّك لا تعرفه وأنّه مما خالجك فيه الشك لقوة شبه حصل بين المذكورين» (٤).
وقال المصري : «وقد سماه من بعد ابن المعتز الاعنات» (٥) ، والاعنات لزوم ما لا يلزم وتجاهل العارف شيء آخر كما اتضح من التعريفات السابقة.
وعرّفه المصري بقوله : «هو سؤال المتكلم عما يعلمه حقيقة تجاهلا منه به ليخرج كلامه مخرج المدح أو الذم أو ليدلّ على شدة التدله في الحب أو لقصد التعجب أو التقرير أو التوبيخ» (٦) ونقل الحلبي والنويري هذا التعريف (٧). وقسّمه المصري الى قسمين : الاول موجب ، كقوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ)(٨) وهذا خارج مخرج التعجب.
وقوله : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا)(٩) ، وهذا خارج مخرج التوبيخ. وقوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(١٠) وهذا خارج مخرج التقرير.
ومما جاء منه في المدح قول بعضهم :
بدا فراع فؤادي حسن صورته |
فقلت هل ملك ذا الشّخص أم ملك |
وأما ما جاء منه للذم فكقول زهير :
وما أدري ولست إخال أدري |
أقوم آل حصن أم نساء؟ |
وأما ما دلّ منه على التدله في الحب فكقول العرجي :
بالله يا ظبيات البان قلن لنا |
ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر |
والثاني : منفي كقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(١١).
وقال المظفر العلوي : «ومعنى تجاهل العارف أنّ الشاعر أو الناثر يسأل عن شيء يعرفه سؤال من لا يعرفه ليعلم أنّ شدة الشبه بالمشبه به قد أحدثت عنده ذلك ، وهو كثير في أشعار العرب وخطبهم» (١٢).
وعرّفه القزويني بتسمية السكاكي ، قال : «وهو كما
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ٩٢.
(٢) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(٣) جوهر الكنز ص ٢٠٨.
(٤) التبيان ص ١٨٨.
(٥) تحرير التحبير ص ١٣٥ ، بديع القرآن ص ٥٠.
(٦) تحرير ص ١٣٥ ، بديع القرآن ص ٥٠.
(٧) حسن التوسل ص ٢٣١ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٣.
(٨) القمر ٢٤.
(٩) هود ٨٧.
(١٠) المائدة ١١٦.
(١١) يوسف ٣١.
(١٢) نضرة الاغريض ص ١٩٢.