اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١). وقد انتهت كل آية بفاصلة حددها المعنى ولذلك جاءت في مكانها ولا يغني غيرها عنها.
وأدخل المصري في التخيير نوعا آخر وهو «أن يؤتى بقطعة من الكلام أو بيت من الشعر قد عطف بعض جمله على بعض بأداة التخيير» (٢) كقوله تعالى :(فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٣).
ومنه قول الشاعر :
خلّوا التفاخر أو حلّوا اليفاع إذا |
ما أسنت الناس أو لبّوا الصريخ ضحى (٤) |
ثم قال : «ولا يكون هذا الضرب من المحاسن حتى تكون الجمل المعطوف بعضها على بعض متضمنة صحة التقسيم كما جاء في الآية الكريمة إذ حصر ـ سبحانه وتعالى ـ فيها أنواع الكفّارة التي لا يجزىء الموسر غيرها كما جاء في البيت من حصر أعظم الأسباب التي تفاخر بمثلها وهي نهاية الكرم وغاية الشجاعة إذ لا يحل بالمكان المرتفع من الأرض في المجاعة ليدل على بيته إلا الجواد كما قال شاعر الحماسة :
له نار تشبّ على يفاع |
إذا النيران ألبست القناعا |
|
ولم يك أكثر الفتيان مالا |
ولكن كان أرحبهم ذراعا |
كما أنّه لا يبادر الى تلبية الصريخ عند الضحى وهو وقت الغارات إلا أشجع القوم».
وفرّق بينه وبين حسن النسق وغيره بقوله : «والفرق بين التخيير بـ «أو» وحسن النسق من وجهين :
أحدهما : أنّ حسن النسق يكون بجميع حروف العطف وغالبا ما تقع الواو ، وربما وقع منه شيء بالفاء للتعاقب أو بـ «ثم» للمهلة والتراخي ووقوعه بالواو أكثر ، والتخيير لا يكون إلا بـ «أو» التي هي للتخيير خاصة.
والثاني : أنّ التخيير يشترط فيه صحة التقسيم ولا كذلك حسن النسق. والفرق بين تخيير مقطع الكلام دون كل مقطع يسدّ مسدّه وبين التسهيم أنّ صدر كلام التخيير لا يدلّ إلا على المقطع فقط وصدر كلام التسهيم يدلّ على ما زاد على المقطع الى أن يبلغ عجز البيت. والفرق بين التخيير والتوشيح التوطئة بتقديم لفظة القافية في أول البيت من التوشيح ولا كذلك التخيير» (٥).
وقال السبكي عن التخيير : «هو إثبات البيت أو الفقرة على روي يصلح لاشياء غيره فيتخير له» (٦).
وذكر بيت الحريري : «إن الغريب ...» وكان الفن التسعون من البديع عنده «التخيير» الذي قال عنه : «هو البيت يأتي على قافية مع كونه يسوغ أن يقفّى بقواف كثيرة» (٧) كقول ديك الجن :
قولي لطيفك ينثني |
عن مضجعي عند المنام |
|
فعسى أنام فتنطفي |
نار تأجّج في العظام |
|
جسد تقلبه الأكفّ |
على فراش من سقام |
|
أمّا أنا فكما علمت |
فهل لوصلك من دوام |
فانه يصلح مكان منام : رقاد ، هجوع ، هجود ،
__________________
(١) الجاثية ٣ ـ ٥.
(٢) تحرير ص ٥٢٩ ، بديع القرآن ص ٢٣٦.
(٣) المائدة ٨٩.
(٤) اليفاع : التل المشرف. أسنت الناس : أصيبوا بالسنين أي أصابهم الجدب. الصريخ :المستغيث.
(٥) تحرير ص ٥٣٠ ، بديع القرآن ص ٢٣٧.
(٦) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٠.
(٧) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٤.