مراجعة في القول ومحاورة جرت بينه وبين غيره بأوجز عبارة وأخصر لفظ فينزل في البلاغة أحسن المنازل وأعجب المواقع.
ومن جيد ما يورد من أمثلتها ما قاله بعض الشعراء (١).
قالت ألا لا تلجن دارنا |
إنّ أبانا رجل غائر |
|
أما رأيت الباب من دوننا |
قلت بأنّي واثب ظافر |
|
قالت فانّ الليث عادية |
قلت فسيفي مرهف باتر |
|
قالت أليس البحر من دوننا |
قلت فانّي سابح ماهر |
|
قالت أليس الله من فوقنا |
قلت بلى وهو لنا غافر |
|
قالت فامّا كنت أعييتنا |
فأت اذا ما هجع السامر |
|
واسقط علينا كسقوط النّدى |
ليلة لاناه ولا آمر |
وألطف من هذا قول أبي نواس في شعره :
قال لي يوما سليما |
ن وبعض القول أشنع |
|
قال صفني وعليّا |
أيّنا أتقى وأورع |
|
قلت إني إن أقل ما |
فيكما بالحقّ تجزع |
|
قال كلّا قلت مهلا |
قال قل لي قلت فاسمع |
|
قال صفه قلت يعطي |
قال صفني قلت تمنع |
ومن جيده ما قاله البحتري :
بتّ أسقيه صفوة الراح حتى |
وضع الكأس ماثلا يتكفّا |
|
قلت عبد العزيز تفديك نفسي |
قال لبيك قلت لبيك ألفا |
|
هاكها قال هاتها قلت خذها |
قال لا أستطيعها ثم أغفى |
فهذا وما شاكله من جيد ما يؤثر في المحاورة وترجيع الخطاب على وجهه الملاطفة والاستعطاف» (٢).
وذكر السيوطي في بحث التكرير نوعا خاصا منه سماه الترجيع وقال : «قال الطيبي هو أن يكون المعنى مهتما بشأنه فاذا شرع في نوع من الكلام نظر الى ما يتخلص اليه فاذا تمكن من إيراده كرّ اليه كقوله تعالى : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)(٣). قال الزمخشري (٤) في تجديد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده وارادة أن يكون على بال من المخاطب ولا ينساه ولا يسهو عنه لفوته فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه فهو يرجع اليه في أثناء حديثه ويتخلص اليه» (٥).
وسمّاه الآخرون «المراجعة» وذكر المصري أنّه من مبتدعاته قال : «هو أن يحكي المتكلم مراجعة في القول ومحاورة في الحديث جرت بينه وبين غيره أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة وأرشق سبك وأسهل ألفاظ إما في بيت واحد أو في أبيات أو جملة واحدة» (٦) كقول عمر بن أبي ربيعة :
__________________
(١) الأبيات لوضاح اليمن.
(٢) الطراز ج ٣ ص ١٥١ وما بعدها.
(٣) التوبة ٨٥.
(٤) عبارة الزمخشري في الكشاف ج ٢ ص ٢٣٥.
(٥) شرح عقود الجمان ص ٧٣.
(٦) تحرير التحبير ص ٥٩٠ ، بديع القرآن ص ٣٠٠.