التشبيه إلا انهما بغير أداته وعلى غير أسلوبه».
وكان عبد القاهر من أوائل الذين وضعوا حدا واضحا بين التشبيه والتمثيل حينما قسم التشبيه الى ضربين :
أحدهما : أن يكون تشبيه الشيء بالشيء من جهة أمر بيّن لا يحتاج فيه الى تأويل ، وهذا هو التشبيه الأصلي.
ثانيهما : أن يكون التشبيه محصلا بضرب من التأويل ، وهذا هو التشبيه التمثيلي ، او التمثيل.
ولذلك فكل تشبيه يكون الوجه فيه حسيا مفردا أو مركبا أو كان من الغرائز والطباع العقلية الحقيقية هو «تشبيه غير تمثيلي» ، وكل تشبيه كان وجه الشبه فيه عقليا مفردا أو مركبا غير حقيقي ومحتاجا في تحصيله الى تأول هو «تشبيه تمثيلي» ، وهذا هو الفرق بين الضربين وإن كان الأول عاما والثاني خاصا ، ولذلك قال : «كل تمثيل تشبيه وليس كل تشبيه تمثيلا» (١).
ومن التشبيه قول الشاعر :
وقد لاح في الصّبح الثريا لمن رأى |
كعنقود ملّاحية حين نوّرا |
ولا يحتاج هذا البيت الى تأويل لأنّه ظاهر ، أما التمثيل فهو بخلاف ذلك ، ومنه قول ابن المعتز :
اصبر على مضض الحسو |
د فانّ صبرك قاتله |
|
فالنار تأكل بعضها |
إن لم تجد ما تاكله |
وقول صالح بن عبد القدوس :
وإنّ من أدّبته في الصّبا |
كالعود يسقى الماء في غرسه |
|
حتى تراه مورقا ناضرا |
بعد الذي أبصرت من يبسه |
وهذه الأبيات تحتاج الى تأول ولا يمكن أن تفهم الصلة بين الأطراف إلا بضرب من التأمل. والتمثيل الذي أولى أن يسمى كذلك ما لا يحصل إلا من جملة من الكلام أو جملتين أو اكثر حتى كأن التشبيه كلما أوغل في كونه عقليا محضا كانت الحاجة الى الجملة أكثر ، كقوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٢).
والتمثيل عند السكاكي هو ما كان وجه الشبه فيه عقليا غير حقيقي وكان مركبا ، قال : «واعلم أنّ التشبيه متى كان وجهه غير حقيقي وكان منتزعا من عدة أمور خص باسم التمثيل» (٣) كقول ابن المعتز : «اصبر على مضض ...» وقول صالح بن عبد القدوس : «وإنّ من أدبته ...».
والتمثيل عند القزويني ما كان وجه الشبه فيه وصفا منتزعا من متعدد أي من أمرين أو أمور سواء كان ذلك التعدد متعلقا بأجزاء الشيء الواحد أم لا ، قال : التمثيل ما وجهه وصف منتزع من متعدد أمرين أو أمور» (٤).
وقال الدسوقي : «التمثيل هو هيئة مأخوذة من متعدد سواء كان الطرفان مفردين أو مركبين ، أو كان أحدهما مفردا والآخر مركبا ، وسواء كان ذلك الوصف المنتزع حسيا بأن كان منتزعا من حسي أو عقليا او اعتباريا وهميا ، وهذا مذهب الجمهور» (٥). ولذلك فكل تمثيل عند السكاكي تمثيل عند القزويني والجمهور ، وليس كل تمثيل عندهم تمثيل عند السكاكي ، فبين المذهبين عموم وخصوص.
__________________
(١) أسرار البلاغة ص ٨٤ ، وينظر الإيضاح في شرح مقامات الحريري ص ٧.
(٢) يونس ٢٤.
(٣) مفتاح العلوم ص ١٦٤.
(٤) الإيضاح ص ٢٤٩ ، التلخيص ص ٢٧٤.
(٥) حاشية الدسوقي ج ٣ ص ٤٣٢.