علّق ، يقال : علّق بها تعليقا أي ارتبط بها أو أحبها (١).
وقد عقد ابن منقذ بابا باسم «التعليق والادماج» وقال : «هو أن تعلق مدحا بمدح وهجوا بهجو ومعنى بمعنى» (٢) كمال قال المتنبي :
الى كم تردّ الرسل فيما أتوا به |
كأنّهم فيما وهبت ملام |
أدمج «الرسل» بردّ اللوم ، فكلاهما مديح.
وقول الآخر :
مغرى بقذف المحصنا |
ت وليس من أبنائهن |
وقال ابن شيث القرشي : «التعليق هو أن يعلق معنى بمعنى فيعلق المدح بالمدح والهجو بالهجو» (٣).
وهذا تعريف ابن منقذ ، وقد ذكر له البيت السابق وقول القائل : «وأنت أبدا تردّ على قولي حتى كأني ألومك فيما طبعت عليه من النوال أو أسومك أن تكون وأنت من سادات الكرام من البخال».
وعلامة هذا الباب أن يكون أحد المعنيين تلويحا والآخر تصريحا ، ومنه أن يتحيل الكاتب في بلاغته أن يقصد شيئا ويلف معه غيره. وهذا ما بحثه العسكري في باب «المضاعفة» وقال : «هو أن يتضمن الكلام معنيين مصرح به ومعنى كالمشار اليه» (٤). وهو قريب مما سماه السكاكي «الاستتباع» وقال : «هو المدح بشيء على وجه يستتبع مدحا آخر» (٥).
وأشار الى ذلك المدني وهو يتحدث عن الاستتباع فقال : «هذا النوع سماه العسكري المضاعف وابن أبي الاصبع ومن بعده التعليق وسماه الزنجاني الموجّه ، والسكاكي الاستتباع ، ولم يغيّر أحد منهم من الشواهد. وهو عبارة عن الوصف بشيء يستتبع وصفا آخر من جنس الوصف الأول مدحا كان أو ذما أو غير ذلك» (٦). وعاد المصري الى مصطلح ابن منقذ وقال : «التعليق هو أن يأتي المتكلم بمعنى في غرض من أغراض الشعر ثم يعلق به معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي زيادة معنى من معانى ذلك الفن كمن يروم مدحا لانسان بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدل على الشجاعة بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر» (٧). ومن ذلك قوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(٨) فانه ـ سبحانه ـ لو اقتصر على وصفهم بالذل على المؤمنين لاحتمل أن يتوهم ضعيف الفهم أنّ ذلّهم عن عجز وضعف فنفى ذلك عنهم وكمّل المدح لهم بذكر عزهم على الكافرين ليعلم أنّ ذلهم للمؤمنين عن تواضع لله ـ سبحانه ـ لا عن ضعف ولا عجز ، بلفظ اقتضت البلاغة الاتيان به ليتمم بديع اللفظ كما تم المدح ، فحصل في هذه الالفاظ الاحتراس مدمجا في المطابقة وذلك تبع للتعليق الذي هو مطلوب من الكلام.
ومنه قول أحدهم في بعض القضاة وقد شهد عنده برؤية هلال الفطر فلم يجز الشهادة :
أترى القاضي أعمى |
أم تراه يتعامى |
|
سرق العيد كأنّ الع |
يد أموال اليتامى |
فعلق خيانة القاضي في أموال اليتامي بما قدّمه من خيانته أمر العيد برابطة التشبيه. وفصل المصري الادماج عن التعليق وعقد له بابا مستقلا وقال : «هو أن يدمج المتكلم غرضا له في ضمن معنى وقد نحّاه من جملة المعاني ليوهم السامع انه لم يقصده وانما عرض في كلام لتتمة معناه الذي قصد اليه» (٩).
__________________
(١) اللسان (علق).
(٢) البديع في نقد الشعر ص ٥٨.
(٣) معالم الكتابة ص ٨٣.
(٤) كتاب الصناعتين ص ٤٢٣.
(٥) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(٦) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٤٨.
(٧) تحرير التحبير ص ٤٤٣ ، بديع القرآن ص ١٧١.
(٨) المائدة ٥٤.
(٩) تحرير ص ٤٤٩ ، بديع القرآن ص ١٧٢.