وقال عنه : «هو أن يورد المتكلم حجة لما يدعيه على طريقة أهل الكلام» (١). وقال السبكي إنّ هذا ليس من البديع لأنّه تطبيق على مقتضى الحال فيكون من علم المعاني (٢). والمذهب الكلامي نوعان :
الأول : الجدلي ، وهو ما كانت حجته أمارة ظنية لا تفيد إلّا الرجحان ، وهذا النوع كثير في كتاب الله من ذلك قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٣). تقديره : والأهون أدخل في الامكان وقد أمكن البدء فالاعادة أدخل في الامكان من بدء الخلق. ومثله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٤). وقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٥) ، وقوله (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ)(٦). ومن هذا النوع أبيات النابغة الذبياني : «ولكنني كنت امرء ...».
الثاني : المنطقي : وهو ما كانت حجته برهانا يقيني التأليف قطعي الاستلزام ، ولعل ابن المعتز عنى هذا النوع حينما نفاه من القرآن ، ولكن المصري قال : «ومن هذا الباب نوع منطقي وهو استنتاج النتيجة من مقدمتين فانّ أهل هذا العلم قد ذكروا أنّ أول سورة الحج الى قوله : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(٧) منطو على خمس نتائج من عشر مقدمات. فالمقدّمات من أول السورة الى قوله تعالى : (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)(٨) والنتائج من قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ)(٩) الى قوله : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(١٠). وتفصيل ترتيب المقدمات والنتائج أن يقال : الله أخبر أنّ زلزلة الساعة شيء عظيم ، وخبره هو الحقّ ، وأخبر عن المغيّب بالحق فهو حقّ ، فالله هو الحق ، والله يأتي بالساعة على تلك الصفات ولا يعلم صدق الخبر إلا بأحياء الموتى ليدركوا ذلك. ومن يأتي بالساعة يحيي الموتى فهو يحيي الموتى. وأخبر أن يجعل الناس من هول الساعة سكارى لشدة العذاب ولا يقدر على عموم الناس بشدة العذاب إلا من هو على كل شيء قدير ، فالله على كل شيء قدير. وأخبر أنّ الساعة يجازي فيها من يجادل في الله بغير علم ، ولا بدّ من مجازاته ، ولا يجازي حتى تكون الساعة آتية.
ولا تأتي الساعة حتى يبعث من في القبور فهو يبعث من في القبور وإنّ الله ينزّل الماء على الأرض الهامدة فتنبت من كل زوج بهيج والقادر على إحياء الأرض بعد موتها يبعث من في القبور ، وإن الله يبعث من في القبور» (١١).
وذكر المصري أنّ من هذا الباب جواب سؤال مقدر كقوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ)(١٢) لأنّ التقدير انّ قائلا قال بعد قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)(١٣) ، فقد استغفر ابراهيم لأبيه فأخبر بقوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ) والله أعلم (١٤).
فالمذهب الكلامي من أساليب القرآن الكريم وكلام العرب ، وقد أوضح الحموي هذه المسألة
__________________
(١) الايضاح ص ٣٦٦ ، التلخيص ص ٣٧٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٦٨ ، المطول ص ٤٣٥ ، الأطول ج ٢ ص ٢٠٩.
(٢) عروس الأفراح ج ٤ ص ٣٧٢.
(٣) الروم ٢٧.
(٤) المؤمنون ٩١.
(٥) الأنبياء ٢٢.
(٦) يس ٧٩.
(٧) الحج ٧.
(٨) الحج ٥.
(٩) الحج ٦.
(١٠) الحج ٧.
(١١) تحرير التحبير ص ١١٩ ـ ١٢٠ ، بديع القرآن ص ٣٨ وما بعدها.
(١٢) التوبة ١١٤.
(١٣) التوبة ١١٣.
(١٤) تحرير التحبير ص ١٢٢.