وذكر الرازي تنسيق الصفات ومثّل له بالآية السابقة (١) ، وقال الحلبي والنويري عن تنسيق الصفات : «هو أن يذكر الشيء بصفات متوالية» (٢).
وسمّاه المصري «حسن النسق» وقال : «هو أن تأتي الكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا لا مستهجنا.
والمستحسن من ذلك أن يكون كل بيت إذا أفرد قام بنفسه واستقلّ معناه بلفظه وإن ردفه مجاوره صار بمنزلة البيت الواحد بحيث يعتقد السامع أنّهما اذا انفصلا تجزأ حسنهما ونقص كمالهما وتقسّم معناهما وهما ليس كذلك بل حالهما في كمال الحسن وتمام المعنى مع الانفراد والافتراق كحالهما مع الالتئام والاجتماع» (٣). ومن ذلك قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٤) ، وقد جاءت الجمل في هذه الآية الكريمة معطوفا بعضها على بعض بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة.
ومن الشعر قول زهير :
ومن يعص أطراف الزجاج فإنّه |
يطيع العوالي ركبّت كلّ لهذم (٥) |
فانّه نسق على هذا البيت عدة أبيات ، كل بيت معطوف على ما قبله بالواو عطف تلاحم. وهذا من شواهد عطف بيت على بيت ، وقد يكون حسن النسق في جمل البيت الواحد كقول ابن شرف القيرواني :
جاور عليا ولا تحفل بحادثة |
إذا ادّرعت فلا تسأل عن الأسل (٦) |
|
سل عنه وانطق وانظر اليه تجد |
ملء المسامع والأفواه والمقل |
وسمّاه ابن الأثير الحلبي التمزيج وحسن الارتباط وحسن الترتيب وحسن النسق وعرّفه بما يقرب من تعريف المصري (٧). وتحدث عنه في باب آخر باسم «حسن النسق والانسجام» ونقل تعريف المصري ونقل بعض أمثلته (٨). وتبعهما ابن قيم الجوزية وعرّف هذا النوع بتعريف المصري أيضا (٩). وقال الحموي : «هذا النوع أعني حسن النسق ويسمّى التنسيق من محاسن الكلام وهو أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا مستبهجا وتكون جملها ومفرداتها متسقة متوالية اذا أفرد منها البيت قام بنفسه واستقل معناه بلفظه» (١٠).
وذكر السّيوطي قولين في هذا الفن :
الأوّل : ما ذكره الرازي والحلبي والنويري وهو «أن يذكر الشيء بصفات متوالية».
الثاني : قول أصحاب البديعيات وهو ما ذكره المصري والحموي (١١). ولكنّه ذكر الرأي الثاني في «الاتقان» وحده وعرّف حسن النسق بتعريف البلاغيين السابقين ولا سيما تعريف المصري ومثاله القرآني (١٢).
وذكر المدني الرأيين أيضا ، ونقل التعريفين المعروفين لكل رأي (١٣).
__________________
(١) نهاية الايجاز ص ١١٣.
(٢) حسن التوسل ص ٢٤٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣١.
(٣) تحرير التحبير ص ٤٢٥ ، بديع القرآن ص ١٦٤.
(٤) هود ٤٤.
(٥) الزجاج : جمع زج ، والزج : الحديدة التي في أسفل الرمح. اللهذم : الماضي في ضربته.
(٦) الأسل : الرماح.
(٧) جوهر الكنز ص ١٥٤.
(٨) جوهر الكنز ص ٢٩٧.
(٩) الفوائد ص ١٩١.
(١٠) خزانة الادب ص ٤١٥ ، نفحات ص ٢٠٤.
(١١) شرح عقود الجمان ص ١٤٩.
(١٢) الاتقان ج ٢ ص ٩٢.
(١٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٣٢.