الطلاب أنّ «التوجيه» مصدر وجهه الى كذا توجيها ، كما يقال : وجهت وجهي لله سبحانه. وقد يقال :وجهت اليك بمعنى توجهت لازما ، واما توجّه فمصدره التوجّه ، وهذا أمر قياسي ولا يحتاج فيه الى سماع» (١).
والتوجيه : إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين بأن يكون أحدهما مدحا والآخر ذما ، وقد التفت الفراء الى هذا الاسلوب ـ وإن لم يسمّه ـ عند تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا)(٢) فيفهم منها الذم الذي أراده اليهود والمدح الذي قصده المسلمون حين رغبوا في أن يرعاهم الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٣).
وأدخل السكاكي هذا النوع في المحسنات المعنوية وقال : «هو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين كقول من قال للأعور : «ليت عينيه سواء».
وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع للأعور : «ليت عينيه سواء». وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع باعتبار» (٤). وعرّفه القزويني بمثل ذلك (٥) وأضاف الى كلام السكاكي تفسير قوله تعالى :(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا)(٦) نقلا عن الزمخشري الذي سماه «ذا الوجهين» (٧) لأنّه يحتمل الذي أي : اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت ، والمدح أي : اسمع غير مسمع مكروها. ونقله الوطواط من الزمخشري وسماه «المحتمل للضدين» وقال فيه : «ويسمونه أيضا بذي الوجهين ويكون بأن يقول الشاعر بيتا من الشعر يحتمل معنيين أحدهما للمدح والآخر للهجاء» (٨).
وسار على خطا القزويني شراح التلخيص (٩) ، غير أنّ السبكي قال : «كذا أطلقه المصنف ويجب تقييده بالاحتمالين المتساويين ، فانه إن كان أحدهما ظاهرا والثاني خفيا والمراد هو الخفي كان تورية» (١٠).
وسمّى المصري التورية توجيها (١١) ، وليس الأمر كذلك لأنّ التورية فيها معنيان : قريب وبعيد ، والثاني هو المقصود ، وأما التوجيه فلا يرجح فيه أحد الوجهين ، وهما كما قال ابن الاثير الحلبي : «حدّ التورية أن تكون الكلمة تحتمل معنيين فيستعمل المتكلم أحد احتماليهما ويهمل الآخر ومراده ما أهمله لا ما استعمله. وحدّ التوجيه أنّه اللفظ المحتمل وجهين يحمل المتكلم مراده على أيهما شاء» (١٢).
ولكنّ المصري عقد بابا للتوجيه وسماه «الإبهام» وقال : «هو أن يقول المتكلّم كلاما يحتمل معنيين متضادين لا يتميز أحدهما على الآخر ولا يأتي في كلامه بما يحصل به التمييز فيما بعد ذلك بل يقصد به إبهام الأمر فيهما قصدا» (١٣). وهذا هو التوجيه عند السكاكي والقزويني وشرّاح التلخيص. وقد فضّل الحموي تسمية المصري فقال : «فتسمية النوع هنا بالابهام أليق من تسميته بالتوجيه ومطابقة التسمية فيه لا تخفى على أهل الذوق الصحيح ، وهذا مذهب ابن أبي الاصبع فإنّه هو الذي تخيّر الابهام» (١٤) ، وذلك لأنّ التوجيه عند المتأخرين :
__________________
(١) أنوار الربيع ج ٣ ص ١٤٣.
(٢) البقرة ١٠٤.
(٣) معاني القرآن ج ١ ص ٦٩.
(٤) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(٥) الايضاح ص ٣٧٧ ، التلخيص ٣٨٤.
(٦) النساء ٤٦.
(٧) الكشاف ج ٢ ص ٤٠٠.
(٨) حدائق السحر ص ١٣٢.
(٩) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٠٠ المطول ص ٤٤٣ ، الاطول ج ٢ ص ٢١٩.
(١٠) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٠١.
(١١) تحرير التحيير ص ٢٦٨ ، بديع القرآن ص ١٠٢.
(١٢) جوهر الكنز ص ١١١.
(١٣) تحرير ص ٥٩٦ ، بديع القرآن ص ٣٠٦.
(١٤) خزانة الادب ص ١٣٦ ، وينظر شرح عقود الجمان ص ١٢٧ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٥ ، ج ٣ ص ١٤٣ ، حلية اللب ص ١٤٧ ، نفحات ـ ـ ص ٩١ ، التبيان في البيان ص ٢٤٥ ، شرح الكافية ص ١٢٢.