سرقة ، اذا كان ليس آخذا على وجهه» (١). ومنه قول امرئ القيس :
سموت اليها بعد ما نام أهلها |
سموّ حباب الماء حالا على حال |
فقال عمر بن أبي ربيعة وقيل وضّاح اليمن :
فاسقط علينا كسقوط النّدى |
ليلة لاناه ولا زاجر |
فولد منه معنى مليحا اقتدى فيه بمعنى امرئ القيس من غير أن يشركه في شيء من لفظه أو ينحو منحاه إلا في المحصول وهو لطف الوصول الى حاجته في خفية. وأما الذي فيه زيادة فكقول جرير يصف الخيل :
يخرجن من مستطير النقع دامية |
كأنّ آذانها أطراف أقلام |
فقال عديّ بن الرقاع يصف قرن الغزال :
تزجي أغنّ كأنّ أبرة روقه |
قلم أصاب من الدّواة مدادها (٢) |
فولّد بعد ذكر القلم اصابته مداد الدواة بما يقتضيه المعنى إذ كان القرن أسود.
والتوليد عند المصري ضربان (٣) : من الالفاظ والمعاني ، فالذي من الألفاظ على ضربين أيضا :توليد المتكلم من لفظه ولفظ غيره وتوليده من لفظ نفسه. والأول : هو أن يزوّج المتكلم كلمة من لفظه الى كلمة من غيره فيتولد بينهما كلام يناقض غرض صاحب الكلمة الأجنبية وذلك في الالفاظ المفردة دون الجمل المؤتلفة. مثاله ما حكي أنّ مصعب بن الزبير وسم خيله بلفظة «عدّة» فلما قتل وصار الى العراق رآها الحجاج فوسم بعد لفظة «عدّة» لفظة «الفرار» فتولد بين اللفظتين غير ما أراده مصعب.
وهذا ما سمّاه ابن منقذ التلطف وعرّفه بقوله : «هو أن يلفق كلاما مع كلام آخر فيولد من الكلامين كلاما ثالثا» (٤) وذكر المثال نفسه.
ومن لطيف التوليد قول بعض العجم ، وهو توليد المتكلم ما يريد من لفظ نفسه :
كأنّ عذاره في الخدّ لام |
ومبسمه الشهيّ العذب صاد |
|
وطرّة شعره ليل بهيم |
فلا عجب إذا سرق الرقاد |
فإنّ هذا الشاعر ولّد من تشبيه العذار باللام وتشبيه الفم بالصاد لفظة لص ، وولّد من معناها ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم فحصل في البيت توليد وإغراب وإدماج. قال المصري : «وهذا من أغرب ما سمعت في ذلك ، وهو النوع الثاني من التوليد اللفظي» (٥).
ومن توليد الالفاظ توليد المعنى من تزويج الجمل المفيدة ، ومثاله ما حكي أنّ أبا تمام أنشد أبا دلف :
على مثلها من أربع وملاعب |
أذيلت مصونات الدموع السواكب |
فقال : «من أراد نكتة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» فولّد بين الكلامين كلاما ينافي غرض أبي تمام من وجهين :
أحدهما : خروج الكلام من النسيب الى الهجاء بسبب ما انضم اليه من الدعاء.
الثاني : خروج الكلام من أن يكون بيتا من شعر الى أن صار قطعة من نثر. وهذا هو الضّرب الأول من التوليد وهو ما تولد من اللفظ ، وأما الضرب الثاني منه وهو ما تولد من المعاني فكقول القطامي :
قد يدرك المتأني بعض حاجته |
وقد يكون مع المستعجل الزّلل |
__________________
(١) العمدة ج ١ ص ٢٦٣.
(٢) الروق : القرن.
(٣) تحرير التحبير ص ٤٩٤ ، بديع القرآن ص ٢٠٧ ، وينظر المنصف ص ١٧ ـ ١٨.
(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢٨٤.
(٥) تحرير التحبير ص ٤٩٥.