أوجه (١).
الاول : أنّ التورية توهم وجهين صحيحين قريبا وبعيدا ، والمراد البعيد منهما ، والتوهيم يوهم صحيحا وفاسدا والمراد الصحيح منهما.
الثاني : أنّ التورية لا تكون إلا باللفظة المشتركة ، والتوهيم بها وبغيرها.
الثالث : أنّ ايهام التورية مما يتعمده الناظم ، والتوهيم مما يتوهمه القارئ أو السامع.
ويأتي التوهيم على وجوه مختلفة (٢) ، من ذلك التصحيف كقوله تعالى : (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ)(٣) فإنّ اصابة العذاب أوهمت السامع أنّ لفظة (أَشاءُ) بالسين المهملة من الاساءة. ومنه قول المتنبي : «وان الفيام ...».
ومنه اختلاف الاعراب كقوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(٤) فان القياس (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) عطفا على ما قبله ، لكن لما كان الغرض الاخبار بأنّهم لا ينصرون أبدا ألغى العطف وأبقى صيغة الفعل على حالها لتدل على الحال والاستقبال. ومنه اختلاف المعنى كقوله تعالى :(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥) فانه يوهم السامع أنّه غفور للمكره ، وانما هولهنّ.
ومنه الاشتراك كقوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٦). فان ذكر الشمس والقمر يوهم السامع أنّ النجم أحد النجوم السماوية وإنّما المراد به النبت الذي لا ساق له وبالشجر الذي له ساق.
ومن ذلك قول صفي الدين الحلي :
وساق من بني الاتراك طفل |
أتيه به على جمع الرفاق |
|
أملّكه قيادي وهو رقّي |
وأفديه بعيني وهو ساقي |
فان ذكر العين يوهم أنّه أراد بقوله «ساقي» العضو المعروف الذي هو ما بين الركبة والقدم ، وإنما أراد الساقي. قال المدني بعد هذين البيتين : «وتوهم ابن حجة أنّه قصد بذلك التورية فأورد البيتين في باب التورية وقال : لا شك أنّ مراده بالمعنى الواحد من التورية ساقي الراح ، وهو ظاهر صحيح ، وبالمعنى الثاني أن يكون هذا الساقي ساقا للشيخ صفي الدين وهو غير ممكن (٧). وهذا عمى بصيرة من ابن حجة عن المقصود ، ولم يقصد الشيخ صفي الدين التورية وإنما قصد التوهيم» (٨).
__________________
(١) انوار الربيع ج ٦ ص ٣٨.
(٢) تحرير ص ٣٤٩ ، بديع القرآن ص ١٣٢ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٩ ، انوار الربيع ج ٦ ص ٣٥.
(٣) الاعراف ١٥٦.
(٤) آل عمران ١١١.
(٥) النور ٣٣.
(٦) الرحمن ٥ ـ ٦.
(٧) ينظر خزانة الأدب ص ٣٤٨ ، نفحات ص ٢٨٠ ، شرح الكافية ص ٢٢٨.
(٨) انوار الربيع ج ٦ ص ٣٧.