تبيّنت آيات لها فعرفتها |
لستة أعوام وذا العام سابع |
كان ينبغي أن يقول : «لسبعة أعوام» ويتم البيت بكلام آخر يكون فيه فائدة ، فعجز عن ذلك فحشا البيت بما لا وجه له.
وأما الضرب المحمود فكقول كثيّر عزّة :
لو انّ الباخلين وأنت فيهم |
رأوك تعلّموا منك المطالا |
فقوله : «وأنت فيهم» حشو إلا أنّه مليح ، ويسمي أهل الصنعة هذا الجنس «اعتراض كلام في كلام» (١) وهذه تسمية ابن المعتز ، فقد قال عن الفن الثاني من المحاسن : «ومن محاسن الكلام ايضا والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم يعود اليه فيتممه في بيت واحد» (٢) وذكر بيت كثير : «لو انّ الباخلين ...» فان كان ذاك في القافية سمي استدعاء (٣). وقسّمه الوطواط الى ثلاثة أقسام : (٤)
الأوّل : الحشو القبيح وذلك بأن يكون اللفظ الزائد لا محل له بحيث يفسد البيت بوجوده ، كقول القائل : «أورثني تكلمه صداع الرأس والقلقا» فانّ لفظ «الرأس» زيادة مستكرهة لأنّ الصداع لا يكون إلا في الرأس.
الثاني : الحشو المتوسط وذلك بأن يتساوى ذكر اللفظة الزائدة وعدم ذكرها فلا تكون مستقبحة غاية القبح ولا مستحسنة غاية الاستحسان ، كقول الوطواط نفسه :
وأنت لعمر المجد أشرف من حوى |
على رغم آناف العدا قصب المجد |
فعبارة «لعمر المجد» حشو متوسط ، وكذلك عبارة «على رغم آناف العدا».
الثالث : الحشو المليح ، وبهذا النوع من الحشو يزدان البيت فيحسن الكلام ويزداد رونقه ، ومن أجل ذلك يسميه الناس بحشو اللوزينج ، ومثاله قول أبي المنهال عوف بن محلم الخزاعي :
إنّ الثمانين وبّلغتها |
قد أحوجت سمعي الى ترجمان |
ومنه قول كثير : «لو أنّ الباخلين ... وقول النابغة الجعدي :
ألا زعمت بنو سعد بأنّي |
ـ فقد كذبوا ـ كبير السنّ فان |
وقال ابن سنان : «وأصل الحشو أن يكون المقصد بها إصلاح الوزن أو تناسب القوافي وحرف الروي إن كان الكلام منظوما وقصد السجع وتأليف الفصول إن كان منثورا من غير معنى تفيده اكثر من ذلك» (٥).
وقال عبد القاهر : «وأما الحشو فانما كره وذمّ وأنكر وردّ لأنّه خلا من الفائدة ولم يحل منه بعائدة ، ولو أفاد لم يكن حشوا ولم يدع لغوا.
وقد تراه مع اطلاق هذا الاسم عليه واقعا من القبول أحسن موقع ومدركا من الرضى أجزل حظ ذاك لافادته إياك عل مجيئه مجيء ما لا معوّل في الافادة عليه ولا طائل للسامع لديه فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لم ترتقبها والنافعة أتتك ولم تحتسبها ، وربما رزق الطفيلي ظرفا يحظى به حتى يحل محل الاضياف الذين وقع الاحتشاد لهم والأحباب الذين وثق بالانس منهم وبهم» (٦).
وقال ابن منقذ : «الحشو أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة ليس فيها فائدة» (٧) والحشو عند ابن الأثير «الاعتراض» قال : «وبعضهم يسميه الحشو ، وحدّه كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٤٨.
(٢) البديع ص ٥٩.
(٣) العمدة ج ٢ ص ٦٩.
(٤) حدائق السحر ص ١٥١ ـ ١٥٣.
(٥) سر الفصاحة ص ١٧٠.
(٦) أسرار البلاغة ص ١٩.
(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٤٢.