يكون في البديع الذي ليس للناس فيه اشتراك» (١) وقال إنّ السرقة ليست من «كبير مساوئ الشعراء وخاصة المتأخّرين إذ كان هذا بابا ما تعرّى منه متقدّم ولا متأخّر» (٢).
وعني العسكري بهذا النوع وتحدّث عن حسن المأخذ وقبحه ، ويريد بحسن المأخذ أن يؤخذ المعنى ويكسى لفظا جديدا أجود من لفظه الأوّل ، ويريد بالقبيح أن يعمد الى المعنى ويؤخذ لفظه كله أو أكثره أو يخرج في معرض مستهجن (٣).
وتحدّث القاضي الجرجاني عنها وذكر أنّ المعاني المشتركة والمتداولة لا تعدّ سرقة ، قال : «فمتى نظرت فرأيت أنّ تشبيه الحسن بالشمس والبدر والجواد بالغيث والبحر والبليد البطيء بالحجر والحمار ، والشجاع الماضي بالسيف والنار والصب المستهام بالمخبول في حيرته والسليم في سهره ، والسقيم في انينه وتأمله امور متقرره في النفوس متصورة للعقول يشترك فيها الناطق والأبكم والفصيح والأعجم والشاعر والمفحم حكمت بأنّ السرقة عنها منتفية والأخذ بالاتباع مستحيل ممتنع (٤) ولا تطلق السرقة إلا على الأمور المنسوبة لشاعر أو كاتب بعينه.
وتحدّث ابن رشيق عنها وقال : «هذا باب متسع جدّا لا يقدر أحد من الشعراء أن يدّعي السلامة منه وفيه أشياء غامضة إلا عن البصير الحاذق بالصناعة ، وأخر فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل» (٥).
وحصر السرقات في الأنواع البديعية فقال : «السرقة إنما تقع في البديع النادر والخارج عن العادة وذلك في العبارات التي هي الألفاظ» (٦).
ودرس عبد القاهر السّرقات ، وقال إنّ المعاني العقلية يتّفق فيها العقلاء ، والتخييلية يختص بها كل شاعر أو أديب عن غيره (٧). وقال إنّ السرقة ليست مجرّد لفظ ومعنى وإنما الأمر صياغة وتصوير (٨) ، وهذا يرجع الى إيمانه بالنظم الذي هو توخي معاني النحو.
وعقد ابن فصولا مختلفة عن السرقة (٩) ، وكان ابن الأثير قد وقف طويلا عندها وتحدث عن أقسامها كالنسخ والسلخ وأخذ المعنى مع الزيادة عليه وعكس المعنى الى ضده (١٠).
ودخلت السرقات في كتب البلاغة حينما وضع القزويني كتابيه «التلخيص» و «الايضاح» فبعد أن انتهى من بحث فنون البديع ذكر أنّ لهذا العلم ملحقات لا ينبغي إهمالها وهي السرقات الشعرية والابتداء والتخلص والانتهاء (١١) ، وهذا اتجاه جديد في دراسة هذا الموضوع. فقد تكلم عليها السابقون مع فنون البلاغة والنقد الأخرى ولم يجعلوها من البديع أو يلحقوها به. وقد أثارت هذه المسألة بعضهم فتساءل العلوي قائلا : «هل تعدّ السرقة الشعرية من علم البديع أو ، لا؟» وأجاب أنّ للمسألة وجهين :
أحدهما : أنّها تكون معدودة فيه لأنّ كل واحد من السابق واللاحق إنما يتصرف في تأليف الكلام ونظمه وترديده بين الفصيح والأفصح والأقبح والأحسن ، وهذه هي فائدة علم البديع وخلاصة جوهره.
وثانيهما : أنّها غير معدودة في علم البديع ؛ لأنّ معنى السرقة هو الأخذ ومجرد الأخذ لا يكون متعلقا بأحوال الكلام ولا بشي من صفاته فلأجل
__________________
(١) الموازنة ج ١ ص ٥٢ ، وتنظر ص ٣٢٦.
(٢) الموازنة ج ١ ص ٢٩١.
(٣) كتاب الصناعتين ص ٢١٦.
(٤) الوساطة ص ١٨٣.
(٥) العمدة ج ٢ ص ٢٨٠.
(٦) قراضة الذهب ص ١٤.
(٧) اسرار البلاغة ص ٣٠٢ ، ٣٨٣ ، ٣٨٥.
(٨) دلائل الاعجاز ص ٣٧٣ ، ٣٨٥.
(٩) البديع في نقد الشعر ص ٢٦٤ ـ ٢٨٣.
(١٠) المثل السائر ج ٢ ص ٣٦٦ وما بعدها ، الجامع الكبير ص ٢٤٢ ، وما بعدها ، كفاية الطالب ص ١٠٩.
(١١) الايضاح ص ٤٠١ ، التلخيص ص ٤٠٨.