مصطلحه بكل ما خالف الحقيقة ، وهذه خطوة كبيرة في ميدان البحث البلاغي في القرن الثالث للهجرة.
وخطا ابن قتيبة خطوة واسعة في دراسة المجاز وعقد له بابا كبيرا (١). وانتهى بعد الكلام عليه وعرض أمثلته الى القول بأنّ الطاعنين على القرآن بالمجاز لأنّه كذب ، قوم جاهلون. قال : «وهذا من أشنع جهالاتهم وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم ولو كان المجاز كذبا وكل فعل ينسب الى غير الحيوان باطلا ـ كان أكثر كلامنا فاسدا لأنا نقول : «نبت البقل» و «طالت الشجرة» و «أينعت الثمرة» و «أقام الجبل» و «ورخص السعر» (٢).
واستعمل المبرّد المجاز بما يقرب من استعمال أبي عبيدة ، أي التفسير وما يعبر به عن معنى الآية (٣).
وتعرّض للمجاز ابن جنّي وقال وهو يعرف الحقيقة بأنها «ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة ، والمجاز ما كان بضد ذلك» (٤). وقال ابن فارس : «وأمّا المجاز فمأخوذ من جاز يجوز اذا استن ماضيا ... أي أنّ الكلام الحقيقي يمضي لسننه لا يعترض عليه. وقد يكون غيره يجوز جوازه لقربه منه إلا أنّ فيه من تشبيه واستعارة وكف ما ليس في الأوّل» (٥).
وقال ابن رشيق : «العرب كثيرا ما تستعمل المجاز وتعدّه من مفاخر كلامها فإنّه دليل الفصاحة ورأس البلاغة وبه بانت لغتها عن سائر اللغات» (٦) وذكر بعض ما قاله ابن قتيبة في «تأويل مشكل القرآن».
وقال عبد القاهر : «المجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعدّاه ، واذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وصفه بأنّه مجاز على معنى أنّهم جازوا به موضعه الأصليّ أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أوّلا» (٧).
وقال : «وأما المجاز فكلّ كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأوّل فهي مجاز. وإن شئت قلت : كلّ كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع الى ما لم توضع له من غير ان تستأنف فيها وضعا لملاحظة بين ما تجوز بها اليه وبين أصلها الذي وضعت له في وضع واضعها فهي مجاز» (٨). وقال : «وأما المجاز فقد عوّل الناس في حدّه على حديث النقل ، وأنّ كل لفظ نقل عن موضوعه فهو مجاز» (٩).
وقال الرازي : «والمجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه ، واذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وصف بأنه مجاز على معنى أنّهم جازوا به موضعه الأصلي أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أوّلا» (١٠).
وهذا تعريف عبد القاهر الأوّل ، ويبدو أنّه اختاره من التعريفات الثلاثة لأنّه أوضح وأكثر تفصيلا.
وقال السّكّاكي : «المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة الى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناه في ذلك النوع» (١١). وقال : «ولك أن تقول : المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما تدلّ عليه بنفسها دلالة ظاهرة استعمالا في الغير بالنسبة الى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة ما تدلّ عليه بنفسها في ذلك النوع. ولك أن تقول : المجاز هو الكلمة المستعملة في معنى معناها بالتحقيق استعمالا في ذلك بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع».
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن ص ٧٦.
(٢) تأويل مشكل القرآن ص ٩٩.
(٣) المقتضب ج ٢ ص ١٧١ ، ج ٣ ص ٧٠ ، ٣٠٧ ، ٣٦٠ ، الكامل ج ١ ص ٨٣ ، ج ٣ ص ١٢٨٧ ، ١٢٨٩.
(٤) الخصائص ج ٢ ص ٤٤٢.
(٥) الصاحبي ص ١٩٨.
(٦) العمدة ج ١ ص ٢٦٥.
(٧) أسرار البلاغة ص ٣٥٦.
(٨) أسرار البلاغة ص ٣٢٥ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢.
(٩) دلائل الاعجاز ص ٥٣.
(١٠) نهاية الايجاز ص ٤٦.
(١١) مفتاح العلوم ص ١٧٠.