ومما وقع من المواربة بالتحريف قول عتبان الحروري :
فان يك منكم كان مروان وابنه |
وعمرو ومنكم هاشم وحبيب |
|
فمنا حصين والبطين وقعنب |
ومنا أمير المؤمنين شبيب |
فانّه لما بلغ الشعر هشاما وظفر به قال له : أنت القائل : «ومنا أمير المؤمنين شبيب» فقال : لم أقل كذا وانما قلت : «ومنّا أمير المؤمنين شبيب» فتخلص بفتحة الراء بعد ضمها.
فهذا وأشباهه يحتمل أن يكون الدخل وقع فيه للشاعر وقت العمل ويحتمل ألّا يكون وقع له وارتجل التخلص عند سماعه ، والذي لا يحتمل أن يكون فطن له حتى قيل له قول الأخطل :
لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة |
الى الله منها المشتكى والمعوّل |
|
فإلّا تغيّرها قريش بملكها |
يكن عن قريش مستماز ومزحل |
فقال له عبد الملك بن مروان : الى أين يا ابن اللخناء؟
فقال : الى النار. فضحك منه وسكت عنه ، فتخلّص بهذه النادرة.
وقد تكون المواربة من غير ذلك كقوله ـ عليهالسلام ـ للعباس بن مرداس حين أنشد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم :
أتجعل نهبي ونهب العبي |
د بين عيينة والأقرع |
|
وما كان حصن ولا حابس |
يفوقان مرداس في مجمع |
|
وما أنا دون امرئ منهما |
ومن تضع اليوم لا يرفع |
فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يا عليّ اقطع لسانه عني ؛ فقبض علي ـ عليهالسلام ـ على يده وخرج به فقال : أقاطع أنت لساني يا أبا الحسن؟ فقال : إني لممض فيك ما أمر. فهذه أحسن مواربة سمعت في كلام العرب. مضى به الى ابل الصدقة فقال : خذ ما أحببت.
ومن المواربة متّصل ومنفصل ، فالمتّصل ما كان تخلّصه في نفس الكلام ، والمنفصل ما كان التّخلّص فيه من كلام آخر كالذي تقدّم لعلي ـ عليهالسلام ـ والأخطل. ونقل ابن الأثير الحلبي والسبكي والحموي والسّيوطي كلام المصري (١) ، وقد اتّضح أنّ التّبريزي نقلها من الإرب وهو المكر والخديعة ونقلها المصري من ورب العرق إذا فسد ، وقد قال المدني : «وظاهر أنّه لا يتعيّن نقلها الى الاصطلاح من الورب بمعنى الفساد بل يجوز أن يكون من المداهنات والمخاتلة كما قال في القاموس ، بل هو أنسب بالمعنى الاصطلاحيّ كما لا يحفى» (٢).
والفرق بين المواربة والاحتراس «أنّ الاحتراس يؤتى به وقت العمل عند ما يتفطّن المتكلّم لموضع الدخل ، والمواربة يؤتى بها وقت العمل وبعد صيرورة الكلام. والمواربة ـ بالراء المهملة ـ تكون بالتصحيف والتحريف واهتدام الكلمة والزيادة والنقص ، والاحتراس بزيادة الجمل المفيدة المتضمّنة معنى الانفصال عما يحتمله الكلام من الدخل ، والمواربة تكون في نفس الكلام وتكون منفصلة عنه والاحتراس لا يكون إلّا في نفس الكلام» (٣) والفرق بين المواربة والانفصال «أنّ المواربة تكون ـ كما تقدّم ـ في كلمة من الكلام أو في كلام منفصل
__________________
(١) جوهر الكنز ص ٢٣٥ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٣ ، خزانة ص ١١٢ ، معترك ج ١ ص ٤١٧ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٨.
(٢) أنوار الربيع ج ٢ ص ٢٩٩ ، وينظر نفحات الأزهار ص ٦٣ ، شرح الكافية ص ٨٣.
(٣) تحرير التحبير ص ٢٤٥.