والسيوطي والاسفراييني والمغربي والمدني والدمنهوري (١) وغيرهم. وهذا يدل على «أن الكلام في الاستعارة وأنواعها مما أطلق البيانيون فيه أعنّة الأقلام» (٢) ، ولكن المعوّل عليه عند المتأخرين ما ذهب اليه عبد القاهر والسكاكي والقزويني وأصحاب الشروح والتلخيصات.
ولا بدّ للاستعارة من ثلاثة أركان هي :
١ ـ المستعار منه ، وهو المشبه به.
٢ ـ المستعار له ، وهو المشبه.
٣ ـ المستعار ، وهو اللفظ المنقول.
ويسمى الأول والثاني طرفي الاستعارة ، ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٣) يكون المستعار هو الإشتعال ، والمستعار منه هو النار ، والمستعار له هو الشيب ، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النهار لبياض الشيب ولا بدّ للاستعارة من قرينة تدل على أنها ليست تعبيرا حقيقيا.
لم يقسّم الاوائل الاستعارة الى الأقسام التي ذكرها المتأخرون بل خلط بعضهم بينها وبين أنواع المجاز الاخرى. وكان تقسيم عبد القاهر بداية العناية بذلك فقد قسمها الى مفيدة وغير مفيدة ، وقسم المفيدة الى ما سماه المتأخرون استعارة تصريحية واستعارة مكنية.
ولعل الرازي من أوائل الذين حاولوا تقسيم الاستعارة في ضوء ما تحدث عنه عبد القاهر ، فقد قسمها الى أصلية وتبعية وتصريحية ومكنية وترشيحية وتجريدية (٤).
واستفاد السكاكي من هذا التقسيم وأمعن في التحديد (٥) ، وقسمها القزويني باعتبار الطرفين ـ المستعار منه والمستعار له ـ وباعتبار الجامع ، وباعتبار الثلاثة ، وباعتبار اللفظ ، وباعتبار أمر خارج عن ذلك كله (٦).
والاستعارة باعتبار الطرفين قسمان : وفاقية وعنادية ومنها التهكمية أو التمليحية وباعتبار الجامع قسمان :
أحدهما ما يكون الجامع فيه داخلا في مفهوم الطرفين ، وثانيهما ما يكون الجامع فيه غير داخل في مفهوم الطرفين. وتنقسم باعتبار الجامع أيضا الى عامية وخاصية ، واما باعتبار الثلاثة ـ الطرفين والجامع ـ فهي ستة أقسام : استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي أو بوجه عقلي ، أو بما بعضه حسي وبعضه عقلي ، واستعارة معقول لمعقول ، واستعارة محسوس لمعقول واستعارة معقول لمحسوس. وباعتبار اللفظ قسمان : أصلية وتبعية. وباعتبار الخارج ثلاثة أقسام :المطلقة والمجردة والمرشحة. وهناك الاستعارة التمثيلية أي المجاز المركب والاستعارة التصريحية والاستعارة بالكناية أو المكنية.
وسار المتأخرون على هذا التقسيم وتحدثوا عن هذه الأقسام ، ويتضح من مراجعة كتبهم أنّهم لم يتفقوا على تحديدها كل الاتفاق ولا سيما التخييلية وصلتها بالمكنية ، وكان للسكاكي رأي نقضه القزويني وكان
__________________
(١) الوافي ص ٢٦٣ ، قانون البلاغة ص ٤٠٩ ، وص ٤٣٨ ، البديع في نقد للشعر ص ٤١ ، الرسالة العسجدية ص ١١٥ ، التبيان ص ٤١ ، البرهان الكاشف عن اعجاز القرآن ص ١١٠ ، نضرة الاغريض ص ١٣٤ ، منهاج البلغاء ص ٨٧ ، الاقصى القريب ص ٤٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٤٩ ، جوهر الكنز ص ٥٣ ، عروس ج ٤ ص ٤٥ ، المطول ص ٣٥٧ ، المختصر ج ٤ ص ٤٥ ، البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٣٢ ، خزانة ص ٤٧ ، معترك ج ١ ص ٢٧٥ ، الاتقان ج ٢ ص ٤٣ ، شرح عقود الجمان ص ٩٣ ، الاطول ج ٢ ص ١١٩ ، مواهب ج ٤ ص ٤٥ ، أنوار ج ١ ص ٢٤٣ ، حلية اللب ص ١١٨ ؛ الروض المريع ص ١١٥.
(٢) أنوار الربيع ج ١ ص ٢٤٣.
(٣) مريم ٤.
(٤) نهاية الايجاز ص ٨١.
(٥) مفتاح العلوم ص ١٧٦.
(٦) الايضاح ص ٢٨٩ ، التلخيص ص ٣٠٨ ، وينظر أنوار الربيع ج ١ ص ٢٤٥.