(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ*)(١) فيحتمل أن يكون المبتدأ محذوفا وتقديره : فأمري صبر جميل ، ويحتمل أن يكون من باب حذف الخبر وتقديره : فصبر جميل أجمل.
١٤ ـ حذف «لا» من الكلام وهي مرادة كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٢). أي : لا تفتأ.
ومنه قول امرىء القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا |
ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي |
أي : لا أبرح.
١٥ ـ حذف «الواو» من الكلام وإثباتها ، وأحسن حذوفها في المعطوف والمعطوف عليه كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(٣). أي : لا يألونكم خبالا وودوا.
١٦ ـ حذف بعض اللفظ وهو سماعي لا يجوز القياس عليه (٤) ، ومنه قول علقمة بن عبدة :
كأنّ إبريقهم ظبي على شرف |
مفدّم بسبا الكتّان ملثوم (٥) |
فقوله : «بسبا الكتان» يريد : بسبائب الكتان.
وهذا وأمثاله مما يقبح ولا يحسن وان كانت العرب قد استعملته.
والنوع الثاني من الايجاز حذف الجمل ، وهو قسمان :
أحدهما : حذف الجمل المفيدة التي تستقل بنفسها كلاما ، وهذا أحسن المحذوفات وأدلها على الاختصار.
ثانيهما : حذف الجمل غير المفيدة.
وجملة هذين النوعين أربعة أضرب :
الأول : حذف السؤال المقدر ، ويسمى الاستئناف وهو على وجهين :
١ ـ إعادة الاسماء والصفات كقوله تعالى : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٦). والاستئناف واقع في هذا الكلام على «أولئك» لأنّه لما قال : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ). الى قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) اتجه لسائل أن يقول : ما بال المستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى فأجيب بأن اولئك الموصوفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا.
٢ ـ الاستئناف بغير إعادة الاسماء والصفات كقوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ. إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ. قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، قالَ : يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(٧). فمخرج هذا القول مخرج الاستئناف ؛ لأنّ ذلك من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه وكأنّ قائلا قال : كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل : قيل ادخل الجنة ولم يقل : قيل له ، لانصباب الغرض الى المقول لا الى المقول له مع كونه معلوما. وكذلك قوله : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) مرتّب على تقدير سؤال سائل عما وجد.
__________________
(١) يوسف ١٨ ، ٨٣.
(٢) يوسف ٨٥.
(٣) آل عمران ١١٨.
(٤) المثل السائر ج ٢ ص ١١٣ ، الطراز ج ٢ ص ١١٢.
(٥) الفدام ؛ خرقة تجعل في فم الابريق. سبائب جمع سبيبة وهي الشقة.
(٦) البقرة ١ ـ ٥.
(٧) يس ٢٢ ـ ٢٧.