وهذا هو اللف والنشر الذي ذكره المتأخرون (١).
وذكر البغدادي تعريفين الاول هو : «ومن نعوت المعاني التتميم وهو أن توجد في المعنى كتابة أو خطابة فيوفي بجميع المعاني المتممة لصحته المكملة لجودته من غير أن يخلّ ببعضها ولا أن يغادر شيء منها. كقول القائل : «فحلّقت به أسباب الجلالة غير مستشعر فيها لنخوة ، وترامت به أحوال الصرامة غير مستعمل فيها لسطوة ، هذا مع زماتة في غير حصر ولين جانب من غير خور». فقد أتى هذا المتكلم بتتميمات المعاني التي جاء بها من غير أن يخل بشيء منها» (٢). والثاني هو تعريف التبريزي وأمثلته (٣). ولم يخرج ابن منقذ كثيرا على ما ذكره العسكري في التعريف والأمثلة ، قال : «اعلم أنّ التتميم أن يذكر الشاعر معنى ولا يغادر شيئا يتم به إلا أتى به فيتكامل له الحسن والاحسان ويبقى البيت ناقص الكلام فيحتاج الى ما يتممه به من كلمة توافق ما في البيت من تطبيق أو تجنيس» (٤).
ونقل الصّنعاني تعريف ابن رشيق وقال إنّ التتميم من أنواع الفصاحة (٥). ونقل ابن الزملكاني تعريف التبريزي ومثّل له ببيتي ابن الرومي : «آراؤكم ووجوهكم ...» (٦) وعقد له المصري بابا باسم التمام وقال : «وهو الذي سماه الحاتمي التتميم وسماه ابن المعتز قبله اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود المتكلم فيتمه. وشرح حدّه : أنّه الكلمة التي إذا طرحت من الكلام نقص حسن معناه أو مبالغته مع أنّ لفظه يوهم بأنّه تام» (٧). وهو ضربان :
الأول : في المعاني ، وهو تتميم المعنى ويأتي للمبالغة والاحتياط ، ويجيء في المقاطع كما يجيء في الحشو كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٨) ، فجاءت الفاصلة كلها تتميما لأنّ المعنى ناقص بغيرها لكنه متى جاء في المقاطع سمي إيغالا ويكثر مجيئه في الحشو ومثاله قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)(٩) فقوله تعالى : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) تتميم وقوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) تتميم ثان في غاية البلاغة التي بذكرها تمّ الكلام وجرى على الصحة ، ولو حذفت هاتان الجملتان نقص معناه واختل منه حسن البيان. ومثال ما جاء للاحتياط قول الغنوي :
أناس إذا لم يقبل الحق منهم |
ويعطوه عاذوا بالسيوف القواضب |
ومثال ما جاء للمبالغة قول زهير :
من يلق يوما على علّاته هرما |
يلق السماحة منه والنّدى خلقا |
فقوله : «على علاته» تتميم جاء للمبالغة.
الثاني : في الالفاظ وهو الذي يؤتى به لاقامة الوزن بحيث لو طرحت الكلمة انتقل معنى البيت بسواها ، وهي نوعان : كلمة لا يفيد مجيئها إلا أقامة الوزن فقط ، وإخرى تفيد مع الوزن ضربا من المحاسن ، والأولى من العيوب والثانية من النعوت مثل قول المتنبي :
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه |
ـ يا جنتي ـ لرأيت فيه جهنّما |
فانه جاء بقوله : «يا جنتي» لاقامة الوزن وقصدها دون غيرها ممّا يسدّ مسدّها ليكون بينهما وبين قافية البيت مطابقة لو كان موضعها غيرها لم تحصل.
وفرّق المصري بين التتميم والإيغال من ثلاثة
__________________
(١) الايضاح ص ٣٥٦.
(٢) قانون البلاغة ص ٤١٢.
(٣) قانون البلاغة ص ٤٥٣.
(٤) البديع في نقد الشعر ص ٥٣.
(٥) الرسالة العسجدية ص ١٤٥.
(٦) التبيان ص ١٨٧.
(٧) تحرير التحبير ص ١٢٧.
(٨) العنكبوت ٢٧.
(٩) النحل ٩٧.