أوجه :
الاول : أنّ التتميم لا يرد إلا على كلام ناقص شيئا ما ، أما حسن معنى أو أدب أو ما أشبه ذلك كبيت الغنوي : «أناس إذا ...» فانّ المعنى من غير «يعطوه» ناقص ، والايغال لا يرد إلّا على معنى تام من كل وجه.
الثاني : اختصاص الايغال بالمقاطع دون الحشو مراعاة لاشتقاقه ؛ لأنّ الموغل في الارض هو الذي قد بلغ أقصاها أو قارب بلوغه ، فلما اختص الايغال بالطرف لم يبق للتميم إلّا الحشو.
الثالث : أنّ الايغال لا بدّ من أن يتضمن معنى من معاني البديع ، والتتميم قد يتضمن أولا يتضمن ، وأكثر ما يتضمن الايغال التشبيه والمبالغة. والتتميم يتضمن المبالغة طورا والاحتياط طورا آخر ويأتي غير متضمن شيئا سوى تتميم ذلك المعنى (١).
ولم يخرج ابن مالك على السابقين في تقسيم التتميم الى تتميم المعاني وتتميم الألفاظ (٢) ، وهو ما ذكره المصري. ونقل الحلب والنويري تعريف المصري وتقسيمه وبعض أمثلته (٣). وعاد ابن الاثير الحلبي الى تعريف قدامة وشواهده (٤) ، وأدخله القزويني في علم المعاني وبحثه في الاطناب وقال : «هو أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ)(٥) أي : مع حبه ، والضمير للطعام أي مع اشتهائه والحاجة اليه» (٦). وهذا التعريف يبتعد عن أقوال السابقين وإن قال إنّه يفيد نكتة كالمبالغة وهو ما أشار اليه معظم البلاغيين. وتبعه شراح تلخيصه والسيوطي (٧).
والتتميم عند العلوي على ثلاثة أوجه : إما للمبالغة وإما للصيانة أي الاحتراز وإما لاقامة الوزن (٨). وهذا ما أشار اليه السابقون.
وقال ابن قيم الجوزية : «هو أن تردف الكلام بكلمة ترفع عنه اللبس وتقربه الى الفهم وتزيل عنه الوهم وتقرره في النفس» (٩).
وقال الزركشي : «هو أن يتم الكلام فيلحق به ما يكمله إما مبالغة او احترازا أو احتياطا. وقيل : هو أن يأخذ في معنى فيذكره غير مشروح وربما كان السامع لا يتأمله ليعود المتكلم اليه شارحا» (١٠).
ورجع الحموي الى ذكره المصري وأشار الى الخلط بينه وبين التكميل فقال : «ولقد وهم جماعة من المؤلفين وخلطوا التكميل بالتتميم وساقوا في باب التتميم شواهد التكميل وبالعكس. والفرق بين التكميل والتتميم ، أنّ التتميم يرد على الناقص فيتمه ، والتكميل يرد على المعنى التام فيكمله إذ الكمال أمر زائد على التمام. وأيضا أنّ التمام يكون متمما لمعاني النقص لا لأغراض الشعر ومقاصده والتكميل يكملها» (١١).
ولم يخرج المدني على السابقين وفضل تسمية الحاتمي لهذا الفن (١٢). وقال ابن شيث القرشي : «إنه مصدر تمم يتمم تتميما إذا بلغ بالشيء غايته ، وهو أن يأتي الكاتب في كلامه المنثور بكلمة لام الفعل فيها حرف علة ثم يأتي بكلمة من بعدها لام
__________________
(١) تحرير ص ٢٤١.
(٢) المصباح ص ٩٥.
(٣) حسن التوسل ص ٢٢٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٨.
(٤) جوهر الكنز ص ١٣٢.
(٥) الانسان ٨.
(٦) الايضاح ص ٢٠٥ ، التلخيص ص ٢٣١.
(٧) شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٣٥ ، المطول ص ٢٩٦ ، الأطول ج ٢ ص ٤٧ ، معترك ج ١ ص ٣٦٩ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٤ ، شرح عقود الجمان ص ٧٤ ، نفحات ص ٢٢٧ ، التبيان في البيان ص ٣١٢ ، شرح الكافية ص ١١٩.
(٨) الطراز ج ٣ ص ١٠٤.
(٩) الفوائد ص ٩٠.
(١٠) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٧٠.
(١١) خزانة الأدب ص ١٢٢ ، وينظر الروض المريع ص ١٥٢.
(١٢) أنوار الربيع ج ٣ ص ٥٢.