يا شبيه البدر حسنا |
وضياء ومنالا |
|
وشبيه الغصن لينا |
وقواما واعتدالا |
|
أنت مثل الورد لونا |
ونسيما وملالا |
|
زارنا حتى إذا ما |
سرّنا بالقرب زالا |
وقد خاض القدماء في مسائل عقلية حينما تعرضوا لوجه الشبه ، وكان حديثهم عنه لا يمس الجانب الأدبي مسّا قويا (١).
ويقع التشبيه على وجوه منها (٢) :
الاول : إخراج ما لا يقع عليه الحاسة الى ما تقع عليه كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً)(٣).
الثاني : إخراج مما لم تجر به العادة الى ما جرت به كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ. تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٤).
الثالث : إخراج ما لا يعرف بالبديهة الى ما يعرف بها كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً)(٥).
الرابع : إخراج ما لا قوة له في الصفة الى ما له قوة فيها كقوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ)(٦).
الخامس : إخراج الكلام مخرج الانكار كقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟)(٧).
ومراتب التشبيه في القوّة والضعف في المبالغة باعتبار ذكر أركانه كلها أو بعضها ثمان هي : ذكر الأركان الاربعة ، وترك المشبه ، وترك أداة التشبيه ، وترك المشبه وأداة التشبيه ، وترك وجه الشبه ، وترك المشبه ووجه الشبه ، وترك أداة التشبيه ووجهه ، وإفراد المشبه به بالذكر. والمرتبة السابعة وهي حذف وجه الشبه والأداة أبلغ الجميع ، وسمّوا هذه المرتبة «التشبيه البليغ».
وللتشبيه أغراض كثيرة ذكرها البلاغيون (٨) ، فمما يرجع الى المشبه منها : بيان أنّ وجود المشبه ممكن ، وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعى اقتناعه كما في قول المتنبي :
فإن تفق الأنام وأنت منهم |
فإنّ المسك بعض دم الغزال |
وبيان حاله كما في قول الهذلي :
وإني لتعروني لذكراك هزّة |
كما انتفض العصفور بلّله القطر |
وبيان مقدار حاله في القوة والضعف والزيادة كقول الشاعر :
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض |
على الماء خانته فروج الأصابع |
وتقرير حاله في نفس السامع كقول الشاعر :
__________________
(١) نهاية الايجاز ص ٦٥ ، مفتاح العلوم ص ١٥٩ ، الايضاح ص ٢٢٠.
(٢) كتاب الصناعتين ص ٢٤٢ ، تحرير التحبير ص ١٥٩ ، ١٦١ ، بديع القرآن ص ٥٨ ، البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٢٢ ، معترك ج ١ ص ٢٧٢.
(٣) النور ٣٩.
(٤) القمر ١٩ ـ ٢٠.
(٥) العنكبوت ٤١.
(٦) الرحمن ٢٤.
(٧) التوبة ١٩.
(٨) العمدة ج ١ ص ٢٨٧ أسرار البلاغة ص ١٠١ ، مفتاح العلوم ص ١٥٧ ، المثل السائر ج ١ ص ٣٩٦ ، الايضاح ص ٢١٥ وغيرها من الكتب التي تعرضت للتشبيه.