القيس ومنهم أوس بن حجر والمرقش وحسان والشماخ وعبيد بن الابرص والراعي وابن أحمر الباهلي وأمية بن حرثان. ثم قال : «وإنّما يذهب الشعراء المطبوعون المجيدون الى ذلك لأنّ بنية الشعر إنّما هو التسجيع والتقفية فكلما كان الشعر أكثر اشتمالا عليه كان أدخل له في باب الشعر وأخرج له عن مذهب النثر» (١).
فالتصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور وفائدته أنّه قبل كمال البيت الأول من القصيدة تعلم قافيتها ، وهو أدخل في باب السجع. وقد قال ابن رشيق : «فأما التصريع فهو ما كانت عروض البيت فيه تابعة لضربه تنقص بنقصه وتزيد بزيادته» (٢). وقال : «وسبب التصريع مبادرة الشاعر القافية ليعلم في أول وهلة أنّه أخذ في كلام موزون غير منثور ، ولذلك وقع في أول الشعر ، وربما صرّع الشاعر في غير الابتداء ، وذلك اذا خرج من قصة الى قصة أو من وصف شيء الى وصف شيء آخر فيأتي حينئذ بالتصريع إخبارا بذلك وتنبيها عليه.
وقد كثر استعمالهم هذا حتى صرّعوا في غير موضع تصريع ، وهو دليل على قوة الطبع وكثرة المادة إلا أنّه إذا كثر في القصيدة دلّ على التكف إلا من المتقدمين» (٣).
وقال ابن سنان : «وأمّا التصريع فيجري مجرى القافية ، وليس الفرق بينهما إلا أنّه في آخر النصف الأول من البيت والقافية في آخر النصف الثاني منه.
وإنّما شبه مع القافية بمصراعي الباب» (٤).
وقال البغدادي : «هو أن يقصد الشاعر لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة كمقطع المصراع الثاني» (٥).
وقال ابن الأثير : «إنّ التصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور» (٦).
وفرّق المصري بين العروضي والبديعي فقال : «التصريع على ضربين : عروضي وبديعي. فالعروضي عبارة عن استواء عروض البيت وضربه في الوزن والاعراب والتقفية بشرط أن تكون العروض قد غيّرت عن أصلها لتلحق الضرب في زنته. والبديعي استواء آخر جزء في الصدر وآخر جزء في العجز في الوزن والاعراب والتقفية ، ولا يعتبر بعد ذلك أمر آخر» (٧).
ومثال التصريع العروضي قول امرىء القيس :
ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي |
وهل يعمن من كان في العصر الخالي |
ومثال التصريع البديعي قوله في أثناء هذه القصيدة :
ألا إنني بال على جمل بال |
يقود بنا بال ويتبعنا بال |
ولا يخرج الآخرون عن هذا المعنى للتصريع (٨). وقد قسمّه ابن الأثير الى سبعة أقسام أو سبع مراتب وتابعه العلوي في ذلك (٩) ، وهذه المراتب هي :
الأولى : وهي أعلى التصريع درجة ، أن يكون كل مصراع من البيت مستقلا بنفسه في فهم معناه غير محتاج الى صاحبه الذي يليه ، ويسمى «التصريع الكامل» كقول المتنبي :
__________________
(١) نقد الشعر ص ٦٠.
(٢) العمدة ج ١ ص ١٧٣.
(٣) العمدة ج ١ ص ١٧٤.
(٤) سر الفصاحة ص ٢٢١.
(٥) قانون البلاغة ص ٤٥٦.
(٦) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢ ، الجامع الكبير ص ٢٥٤.
(٧) تحرير التحبير ص ٣٠٥.
(٨) نضرة الاغريض ص ٢٨ ، منهاج الادباء ص ٢٨٣ ، الأقصى القريب ص ١١١ ، الايضاح ص ٣٩٧ ، الطراز ج ٣ ص ٣٢ ، المطول ص ٤٥٦ ، خزانة الادب ص ٣٦٦ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٧١ ، نفحات ص ٢٨١ ، التبيان في البيان ص ٤١٧ ، شرح الكافية ص ١٨٨.
(٩) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢ ، الطراز ج ٣ ص ٣٣.